عليه بشيء
من مصنوعاته، وأعزّ وأمنع من أن يطلب من سوى ذاته: «يا من دلّ على ذاته بذاته»[1]،
«بك عرفتك، وأنت دللتني عليك»[2]، ونرى
أنّه (جلّ شأنه) أجلى من كلّ حقيقة، وهو أقرب في الإيصال إلى نفسه المقدّسة من كلّ
طريقة، وأنّه إنّما خفي لشدّة ظهوره، وإنّما عميت عنه العيون لعجزها عن مقاومة
ساطع نوره[3].
ولذلك
سلكنا إليه من طريق الحكمة المتعالية والفلسفة السامية، وهي طريقة الوجود التي هي
من أمتن الطرق وأسهلها وأسلّها لوسوسة الإلحاد وسفسطة الزنادقة وتشكيكاتهم في أجلى
الحقائق.
أمّا
البحث عن الروح المجرّدة الجزئية وإثبات النفس فقد أرجأنا الخوض فيه على تخوم ما
ينبغي له إلى آخر أجزاء هذه الدعوة- أعني: جزء المعاد- وجعلنا البحث في النفس
أصلًا برأسه، لا واسطة إلى غيره. وسنسجّل- بعونه (تعالى)- هنالك أنّ النفس هي التي
تُدرَك وتُعلم قبل كلّ شيء، بل وهي المدرك والمحسوس بالحواسّ أوّلًا وآخراً، وأنّ
المادّة التي يقولون: إنّها هي المشاهدة المحسوسة[4]،
لا تحسّ ولا تدرك أبداً، وأنّ المُدرِك
[1] هذا مقطع من دعاء الصباح للأمير عليه السلام. لاحظ
بحار الأنوار 84: 339.
[3] يقال: إنّ جماعة من الأسماك اجتمعت في البحر،
وذهبت إلى كبيرها، وقالت له: إنّنا نسمع من بعض كبارنا أنّ في الكون شيئاً يسمّى
بالماء، وأنّه شيء عظيم تتوقّف عليه حياتنا ونهلك بدونه، وقد جئناك نطلب منك أن
تعرّفنا وترينا ما هو، وأين هو؟
فقال لهم كبير السمك: اروني شيئاً
غير الماء حتّى أُريكم الماء، فإنّي لا أرى في محيطنا سواه، وحيث لا ضدّ له ولا
ندّ فكيف أُعرّفكم به؟!
هذا مثل السمك، فتدبّره عسى أن
ينفعك إذا شاء اللَّه.( منه رحمه الله).