أمّا هي
بمعنى: فعل الفاعل المقتدر شيئاً على خلاف ما جرت به نواميس العادة وطباع الكون
بحيث كان من المستحيل عادةً ثمّ عني بإيجاده كذلك لحكمة دعت إليه من إعجاز أو عظة
أو انتقام أو غيره، فذلك ممكن واقع محسوس مشاهد.
ولكن
ليس هو بالذي يذهب إليه عبّاد الطبيعة وحملة عرش المادّة.
فحديث
الصدفة إذاً ضلال، والاتّفاق بذلك المعنى ممتنع محال.
إنّ
من المدهش الغريب والعجب الذي يهون عنده كلّ عجيب أنّك تجد كلّ أحد لو دخل إلى أيّ
عمارة أو دار أو شاهد أيّ أثر من الآثار في هذا الكون لا يشكّ أنّ لذلك البناء
بانٍ ولتلك العمارة عمّار ولذلك الزرع زارع ولهذه الصنائع صانع، بحيث لو قلت له:
إنّ هذه الدار وجدت من نفسها هكذا أو أوجدتها الطبيعة وأحدثتها المادّة، لاستوخم
عقلك واستوبأ قولك وعدّه من السخف والترهات فطرةً من نفسه وغريزةً من ذاته، لم يستفدها
من معلّم، ولا اكتسبها من مكتب أو مدرسة.
إذا
قلت له: قد كوّنته الطبيعة، يقول لك:
وقالوا: الطبيعة مبدِئ الكيان
ويا ليت شعري ما هي الطبيعة؟!
أقادرةٌ طبعت نفسها
على ذاك أم ليس بالمستطيعة؟!
ثمّ
يجيء أُولئك الزعانفة المدّعون مقاماً من العلم والفلسفة، فيحكمون على كلّية هذا
العالم البديع الصنع الذي تخطف أشعّته الأبصار وتبهر حكمته العقول، العالم الذي
يحتوي على كائن صغير مثل الإنسان، وما أكبره! الذي ملأت فيه علماء التشريح
القماطير[1]، وما
جاؤوا منه إلّابقليل من كثير، وما
[1] القِمطر: ما يصان فيه الكتب، وهو شبيه سَفَط يُسفّ
من قصب.( تاج العروس 13: 472).