أغناه ذلك
عن الدين شيئاً، وإن قبض على الدين فقد قبض على راحة الأبد وسعادة النشأتين ولو
كان في أنياب الفقر وبين لهوات البلاء؟!
هل
من دافع للنفوس إلى مآزق الحروب ومضائق الحتوف ومتكاثف الصفوف في سبيل الدفاع
والجهاد لحفظ الكيان إلّاالأديان؟!
فإلى
الدين إلى الدين أيّها الملوك والسلاطين والبؤساء والمساكين، وإلى الانتحار إلى
الانتحار يا عبّاد السديم والبخار!
[الخامس: في الصدفة ونقدها]
5-
إنّ من تلك الضروريات الأوّلية والغرائز الطبيعية التي وجدت مع الإنسان لحكمة
وغاية، وجدت مع الإنسان ليستدلّ ويعرف ويرقى ويستكمل، إنّ من أعظمها لصوقاً بالعقل
ورسوخاً بالنفس أنّ الصدفة والاتّفاق وأخواتها مضلّة عمياء ومجهلة خرقاء وشيء
مستحيل باطل الذات لو تصوّر كنهه وتغلغل النظر إلى أقصى مغزاه ومعناه.
إنّ
الصدفة بمعنى: أن يحصل الفعل من دون عناية الفاعل به وقصده إليه، هو مساوق لكون
الفعل بلا فاعل، والأثر بلا مؤثّر، والحادث بلا محدث.
واستحالة
هذه كاستحالة كون الواحد ضعف الاثنين، والجزء أعظم من الكلّ، فإنّ معنى الفعل:
كونه أثر الفاعل، ومعنى الأثر: كونه نعت المؤثّر، ومعنى الاثنين: كونهما تكرار
الواحد مرّتين، وهكذا.
فالقول
بأنّ الفعل قد حصل بلا فاعل مناقضة وإحالة، أساطير أحلام وسمادير أوهام، كالقول
بأنّ الشيء موجود معدوم مع تمام الجهات في الوحدة.
فالصدفة
إذاً بهذا المعنى باطلة مستحيلة بأوّل الفطريات والقرائح.