و
أمّا الأمر الثاني و هو في جريان الاصول الشرعية في جميع اطراف العلم الاجمالي فقد
تقدّم الكلام عن ذلك بلحاظ مقام الثبوت و مقام الاثبات معا في مباحث القطع، و
اتّضح: أنّ المشهور بين الاصوليين استحالة جريان الاصول في جميع الاطراف، لأدائه
الى الترخيص في المعصية للمقدار المعلوم، أي في المخالفة القطعية، و أنّ الصحيح هو
إمكان جريانها في جميع الاطراف عقلا، غير انّ ذلك ليس عقلائيا. و من هنا كان
الارتكاز العقلائي موجبا لانصراف أدلّة الاصول عن الشمول لجميع الاطراف.
و
ينبغي أن يعلم: انّ ذلك انما هو بالنسبة الى الاصول الشرعية المؤمّنة، و أمّا
الاصول الشرعية المنجّزة للتكليف فلا محذور ثبوتا و لا إثباتا في جريانها في كل
اطراف العلم الاجمالي بالتكليف اذا كان كل طرف موردا لها في نفسه، حتى و لو كان
المكلّف يعلم بعدم ثبوت أكثر من تكليف واحد، كما إذا علم بوجود نجس واحد فقط في
الاناءات المعلومة نجاستها سابقا، فيجري استصحاب النجاسة في كل واحد منها. و منه
يعلم انه لو لم تكن النجاسة الفعلية معلومة اصلا، أمكن أيضا إجراء استصحاب النجاسة
في كل اناء ما دامت أركانه تامة فيه، و لا ينافي ذلك العلم اجمالا بطهارة بعض
الأواني و ارتفاع النجاسة عنها واقعا، لأنّ المنافاة إمّا أن تكون بلحاظ محذور
ثبوتي، بدعوى المنافاة بين الاصول المنجّزة للتكليف و الحكم الترخيصي المعلوم
بالاجمال، أو بلحاظ محذور إثباتي و قصور في اطلاق دليل الاصل: