و
إن كان المقصود التعارض بين الاصول المؤمّنة الشرعية خاصة فهو صحيح، و لكن كيف
يرتّب على ذلك تنجّز التكليف بالاحتمال مع إنّ الاحتمال مؤمّن عنه بالبراءة
العقلية على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
و
صفوة القول انّه على هذا المسلك لا موجب لافتراض التعارض في البراءة العقلية، بل
لا معنى لذلك، إذ لا يعقل التعارض بين حكمين عقليين.
فان
كان ملاك حكم العقل- و هو عدم البيان- تاما في كل من الطرفين، استحال التصادم بين
البراءتين، و إلّا لم تجر البراءة، لعدم المقتضي لا للتعارض.
و
هكذا يتضح انّه على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا يمكن تبرير وجوب الموافقة
القطعية للعلم الاجمالي، و هذا بنفسه من المنبّهات إلى بطلان القاعدة المذكورة.
نعم
إذا نشأ العلم الاجمالي من شبهة موضوعية تردّد فيها مصداق قيد من القيود المأخوذة
في الواجب بين فردين، وجبت الموافقة القطعية حتى على المسلك المذكور، كما إذا وجب
اكرام العالم و تردّد العالم بين زيد و خالد، فانّ كون الاكرام إكراما للعالم قيد
للواجب، فيكون تحت الأمر و داخلا في العهدة، و يشك في تحققه خارجا بالاقتصار على
إكرام أحد الفردين، و مقتضى قاعدة إنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وجوب
الاحتياط حينئذ.