من اهتمام
المولى بالتحفظ على الملاكات الواقعية في مقابل إبراز نفي هذه المرتبة من الاهتمام
أيضا، و من الواضح انّ درجة محرّكيّة الواقع المشكوك تابعة لما يحتمل أو يحرز من
مراتب اهتمام المولى به.
و
أما الوجه الثاني: فلو سلّم المسلك المشار اليه فيه لا ينفع في المقام، إذ ليس
المقصود استكشاف الاستحباب الشرعي بقانون الملازمة و استتباع الحسن العقلي للطلب
الشرعي ليرد ما قيل، بل هو ثابت بدليله، و انما الكلام عن المحذور المانع عن
ثبوته. و لهذا فانّ متعلّق الاستحباب عبارة عن تجنّب مخالفة الواقع المشكوك و لو
لم يكن بقصد قربي، و العقل انما يستقلّ بحسن التجنّب الانقيادي و القربي خاصة.
النقطة
الثانية: إنّ الاحتياط متى ما أمكن فهو مستحب- كما عرفت- و لكن قد يقع البحث في
إمكانه في بعض الموارد. و توضيح ذلك: إنه إذا احتمل كون فعل ما واجبا عباديا، فان
كانت أصل مطلوبيته معلومة أمكن الاحتياط بالإتيان به بقصد الأمر المعلوم تعلّقه
به، و إن لم يعلم كونه وجوبا أو استحبابا، فانّ هذا يكفي في وقوع الفعل عباديا و
قربيا. و أمّا إذا كانت أصل مطلوبيته غير معلومة، فقد يستشكل في إمكان الاحتياط
حينئذ، لانه إن اتى به بلا قصد قربيّ، فهو لغو جزما. و إن أتى به بقصد امتثال
الأمر فهذا يستبطن افتراض الأمر و البناء على وجوده، مع ان المكلّف شاك فيه، و هو
تشريع محرّم، فلا يقع الفعل عبادة لتحصل به موافقة التكليف الواقعي المشكوك.
و
قد يجاب على ذلك بوجود أمر معلوم و هو نفس الأمر الشرعي الاستحبابي بالاحتياط،
فيقصد المكلف امتثال هذا الأمر، و كون الأمر بالاحتياط توصليا (لا تتوقف موافقته
على قصد امتثاله) لا ينافي ذلك،