responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : باب مدينة العلم المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ علي (ابن محمد رضا)    الجزء : 1  صفحة : 69

بالفائدة لذاتها دون من عداها. و ما الصراع قائم بين الأمم في هذا الزمن الذي كاد أن يضرم البشرية بنار يفنى فيها الصغير و الكبير و يلتهب اليابس و الأخضر إلا نتيجة لحب الأمم لذاتها و لا تستطيع اشد القوانين المدنية الصارمة مهما صقلتها العقول ان تقف دون هذه الغدة النفسية التي لا زالت تفرز اشد الويلات على البشرية ما لم يكن الرادع فطريا مثلها يغزوها في وكرها و يقضي عليها في مستقرها و ليس هو إلا العقيدة الدينية المرتكزة في النفوس فإنها هي التي تصرعها في مغرسها و تغتالها في وكرها و معرّسها و تسيّرها نحو السعادة البشرية بأحسن طرقها. و ان كثيراً من الملحدين قد ادركوا هذه الحاجة للوازع الديني و الرادع الإلهي و لكن روحهم الالحادية لا تتركهم يتدانون للحق فيعترفون إن غير الدين لا يمكن ان يكون رادعا لتلك الغريزة الحيوانية و ليست الأحكام المدنية و القواعد الاخلاقية كافية لدوام نظام المجتمع و الحالة ان الإنسان مفطور على حب نفسه و استئثارها على غيره بفواتن الحياة و لذائذها و سواحرها و لا يتحاشى عن أضرار الناس ما رأى نفسه بعيدة عن مراقبة القانون ما لم يكن يشعر بمراقبة غيبية قدسية تطلع مستسر سره و مكنونات نفسه أينما وجد و أينما حل و هذا لا يتوفر لنا ما لم نحيِ بالانسان الغريزة الاعتقادية و الإيمان بالمراقبة الإلهية و الخوف الشديد من تجاوزه على شريعته الدينية. و لعل احسن شاهد نقيمه على ذلك هو انك لو فتحت دفاتر الجرائم في محاكم العدل في سائر الدول الكبيرة و الصغيرة لا تجد في المجرمين من المؤمنين واحداً من ألف و هذا الاستقراء أدل دليل على محاربة العاطفة الدينية للاجرام و موجباته و اسبابه. ألا و ان عدم ادراك الشعوب للقيم الروحية و عدم التفات حكوماتها لمحاسن الثقافة الدينية جعلها بعيدة عن هذه الناحية فسنت قوانين صارمة و فتحت مدارس جامعة لو انفقت بعضاً من ذلك على إضافة الثقافة الدينية إلى الثقافة العلمية لكان خيراً لها و احسن سبيلا حيث بها تنتشل الإنسانية من غمرات الحروب و لهواتها و تبعدها عن مأساة الشرور و آلامها و تنصرف للصالح العام و النفع التام و تجعلهم اخواناً على سرر متقابلين قد تناسوا الفوارق بأنواعها. و لا اعني بالثقافة الدينية هو مجرد اللقلقة اللسانية و التقاليد المتبعة و إنما اعني بها تركيز العقيدة الدينية في النفوس بحيث تلتهب بها العاطفة و تلتاط بالضمائر و الدخائل و يبذل فيها النفس و النفيس بعد الشعور بأنها التحفة الملكوتية التي ضمنت للعالم الانساني سعادة الدارين و خير النشأتين. و ربما يتخيل المتخيلون ان الدين يصطدم بالعلم الحاضر و لكن الأمر بالعكس فان العلم قد أزال كثيراً من الحجب الكثيفة عن حقائق الدين و لا زال يخدم الدين حتى عند الملحدين فيُدخِل إلى ما استسر في نفوسهم من دخائل الإلحاد فيطبع فيها صوراً عالية من المبادئ الدينية لا تزال تطفح على أقلامهم من دون ان يكونوا هم شاعرين بها فهذا (شبلي شميل) الملحد المعروف يقول في جملة من كلامه (ان الشرائع اجتماعية أو دينية غرضها واحد و هو صلاح حال الإنسان و واضعوها من أنبل المصلحين غاية و الشريعة الإسلامية خاتمتها و فذلكتها و انها الشريعة الوحيدة الاجتماعية العليا المستوفاة التي ترمي إلى أغراض نبيلة دنيوية حقيقية و ان الدين الإسلامي نظام عملي مادي قانوني يتكفل بصلاح حال المجتمع. انتهى) و ان لنا على كلامه هذا اصح شاهد فهذه الأمة العربية كانت بلادها قاحلة و هي على شظف من العيش و انحطاط في درجات سلم العلوم و العرفان تتحكم في عراقها الفرس و في تخوم شامها الروم فارتقت بعد أن منَّ اللّه تعالى عليه بالإسلام أقصى ذرى المجد و تحكمت في ممالك فارس و الروم و حيث إني أريد ان اعالج الموضوع و

اسم الکتاب : باب مدينة العلم المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ علي (ابن محمد رضا)    الجزء : 1  صفحة : 69
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست