responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 15

( (لبيك اللهم لبيك))

كلمة تملأ القلوب نوراً والنفس سروراً وتهتز بها المشاعر بهجة وحبوراً، تنطلق بها ألسنة الحجيج عندما يَجدُّ بها السير نحو الرحمة المطلقة والشعائر المشرفة والبقاع المقدسة، فهناك وهناك السعادة الأبدية والتجليات الإلهية تقف دونها الأفكار حائرة والألباب متحيرة وتضعك فيها الأنوار القدسية وتنعشك فيها الألطاف الربانية، فتمتلئ منا الجوانب والجوانح خشية وروعة منادية من مُستَسَّر سرّها ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.

( (لبيك اللهم لبيك))

أداء لما فرضته على العباد من عبادتك من حج بيتك الحرام للغرض الذي يرمي إلى اجتماع عام في حشد سنوي ضخم يجمع على صعيد واحد مختلف الطوائف الإسلامية في إطار ديني تزكى فيه روح الأخوة ومشاعر المودة ويحي به الشعور الديني ويبعث العواطف نحو مثلها العليا وينور الفكرة الإسلامية بأسمى أهدافها وأوسع نطاقها.

أيها الحجيج‌

ما فرض الله الحج وما خصه من جميع الطاعات إلى نفسه بقوله عزّ من قائل: [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا] إلا لجمع الكلمة وتوحيد الصف والتعارف بين المسلمين لتفهم قضاياهم وتشاورهم فيما يخص آخرتهم ودنياهم فإن في مناسكه شحنة روحية تملأ النفس عطفاً وحناناً ويقضه نحو المثل العليا مكاناً وزماناً.

أسرار مناسك الحج وما ترمز إليه‌

ألا وإن لكل منسك من مناسك الحج سر عظيم يرمز إليه، وهدف سامي يترتب عليه، وقد ساقني الفكر بعد الدرس والتأمل والتتبع والتفكر إلى أن في الإحرام التبتل لله في الحركات والسكنات، وكف النفس عن المدنسات والموبقات بنحو يوجب سيطرة على سلطان الهوى، ويركز فيها الإيمان والتقوى، وفي الإحرام‌ عند لبس ثوبيه رمز لخروج الإنسان من حفرة قبره مؤتزرا ثوبي كفنه قد فارق الأهل والأحبة ومباهج الحياة وموارد الثروة، فلا المال ينفعه ولا الأولاد والأحبة تسعده، وفي التلبية نداء يملأ القلب سروراً وتهتز به المشاعر بهجة وحبوراً تنطلق به ألسنة الحجيج عندما يجد بها السير نحو المشاعر المشرفة والبقاع المقدسة، معلنة بعظمة الله عز وجل خاضعة لجلال قدرته‌ وجمال‌ لطفه شاخصة بأبدانها نحو البيت العتيق من كل فج عميق وكل أرب سحيق، وفي التلبية رمز لإجابة دعوة الله لأداء الحج يوم دعا الله الناس على لسان نبيه (ص) بقوله عزّ من قائل [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‌].

وفي الطواف‌ حول البيت زيارة لصاحب البيت حباً لذاته المقدسة وعشقاً لمقامه العظيم، وتطلعاً لوجهه الكريم وتعلقاً بشخصه الجليل. بعد أن جرَّد الطائف نفسه من كل تعلق بسوى الله، وقطع كل ارتباط بمن عداه بإحرامه من الملذات ومن فواتن الحياة، وهذا أبلغ معنى في الزيارة للمحبوب وأقوى ارتباط بين الطالب والمطلوب، وفي هذا الدوران المتكرر بالعدد المبارك رمز لتوجه الزائر لدار المزور بكليته وانقطاع القاصد للمقصود بجملته. وفي استلام الحجر توصلًا للقرب من المزور والاتصال به من طريق بيته المعمور، وفيه رمز للمصافحة لرب البيت فعن رسول الله (ص) (الحجر الأسود يمين الله في خلقه يصافح بها خلقه).

وفي التعلق بأستار الكعبة تعلق من الحاج برب البيت والانقطاع إليه، وفيه رمز لتعلق الزائر بالمزور شوقاً للقياه وحباً للتطلع لمحياة.

وما حب الديار شغفن قلبي‌

ولكن حب من سكن الديارا

وفي السعي‌ نحو الله والتردد في الذهاب والإياب لزيادة الشوق والحب لذاته، والقرب لشامخ مقامه واستهداف البلوغ لعلو عظمة شأنه والوصول لشعائر جلاله وجماله، بعد الحلول بفناء بيته الحرام وتردده في الغدو والرواح للظفر بالمزور والتوفيق للمثول بين يديه.

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 15
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست