responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 16

وفي الوقوف‌ بعرفات بلوغ الشوق لذات الله القدسية أسمى مراتبه وأعلى أنواعه، فإنه بعد أن طاف حول البيت طواف العاشق الولهان، وسعى نحو الله سعي المحب الظمآن شحنت نفسه بشدة الشوق والاشتياق، وامتلأت بالعشق والهيام هام نحو البراري والقفار وشق الصحراء والوديان نحو عرفات طلبا للقرب لذاته المقدسة وتطلعا لأنواره المتلألئة، وفي ذلك رمز لهيام العاشق في طلب معشوقة وتركه ملذات الحياة في سبيل الظفر بمطلوبه فإنه الشوق إذا اشتد والحب إذا بلغ نهاية الحد انحصر بالمحبوب والطلب بالمطلوب وأنصرف المحب عما سواه، وكره الطالب عما عداه، فيفر للفضاء المطلق حيث الصحاري والوديان والجبال حيث لا إنس هناك ولا أنيس ولا سمير هنالك ولا جليس. وفي الوقوف بالمشعر الدخول في الحرم في أسر من العبودية والطاعة بعد الخروج عنه في عرفات، فإن المشعر من الحرم دون عرفات وفيه رمز لعود العاشق الولهان لديار المحبوب ليحظى بالعطف والحنان عليه والتوجه والالتفات إليه. وفي الرمي‌ الرجم لتمثال الشيطان إعلانا للحرب على الشيطان الداعي لعبادة غير الرحمن، والموسوس في الصدور بالدعوة للعصيان تصديقا من الحاج لما سبق منه من الإخلاص لله تعالى في العبادة والانقياد له وحده في الطاعة بنبذه للمضلين وحربه للشياطين، فالجمرات رمز للشياطين الرادعين من الفضيلة والداعين للرذيلة، نظير ما يجعل من التمثال للجندي المجهول الذي هو رمز للجندي الذي استشهد في ساحة الشرف في سبيل واجبه وذهب ضحية لوطنه، فكما أن تعظيمه واحترامه احتراما للجندي وتقديرا له وتشجيعا للتضحية في سبيل الواجب، فكذلك هذا الحرب لرمز الشيطان يكون حربا للشياطين وأستحقارا واستنكارا للرذيلة والمعصية والتي يدعو لها ويوسوس لها في الصدور وقد كان في قديم الدهر يصنعون تمثالا لآلهة الخير وآلهة الشر وغير ذلك من الأمور المعنوية تجسيدا لها في الخارج لإيقاظ الضمير ولإحساس الوجدان ولتنبيه النفس حتى تندفع نحو مقتضاتها من ارتكاب الفضيلة والتجنب عن الرذيلة. وفي الذبح إراقة الدم قربانا لله تعالى تصديقا آخر من الحاج لما سبق منه من الإخلاص في العبودية والاعتراف لله وحده بالربوبية حيث قدم قربانه لذاته تعالى لا لغيره من أصنام كيفها الهوى ونحتها الخيال. ففيه الرمز للتضحية بما يملك في سبيل الله خالصة لوجهه الكريم من دون فائدة دنيوية أو معنوية سوى الإطاعة له تعالى والانقياد إليه.

كلمة في الحج وآثاره‌

إنه من نظر إلى تشريع الحج وإلى ما تضمنت مناسكه من طاقات روحية وشحنات قدسية، يرى أن فرض الحج يرمي إلى اجتماع عام في حشد سنوي ضخم يجمع على صعيد واحد مختلف الطوائف الإسلامية في إطار ديني تذكر فيه روح الأخوة ومشاعر الحنان والمودة.

إن الحج بمناسكه لم يفرضه الله وما خصه من بين الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله عز من قائل [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‌] [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا] إلا لجمع الكلمة ولتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وتبادل الأراء فيما بينهم والتعارف بين المسلمين فيما يخص مشاكلهم وبحثهم وتشاورهم فيما يتعلق بقضاياهم ورفع مستواهم.

وإنك لترى في مناسكه وآدابه شحنة تملأ القلوب نوراً، والنفس سروراً وطاقات قوية روحية تجرد النفوس عن أنانيتها بعد أن تملأ الجوانب والجوانح خشية ورعة وحناناً ورحمة وتوقظ العقول نحو مثلها العليا بعد أن يحشد بها السير نحو الرحمة المطلقة.

أيها الملأ الصالح: يمر اليوم بالأقطار الإسلامية ظرف عصيب ووقت رهيب يقطع فيه الإسلام أصعب المراحل في تاريخه الحديث، فالصراع قائم بين الأمم الكبيرة، والحق تطغى عليه القوة وعلى الأماني المنايا وشبح الموت يرفرف على العالم كله، وأبطال الحرب ومديرو دفتها يوالون الاجتماعات أثر الاجتماعات لإحراق البشرية بنار لا يسهل إخمادها وإثارة فتنة صماء يصعب الخروج منها. فحري بنا أن نتضامن تضامنا لا تمسه لفحة الانحلال، ونتضافر تضافراً لا تحله مشكلات الأهوال لنخرج من وسط هذه المعمعات العالمية وقد بلغنا الغاية المنشودة وربحنا الصفقة ونالنا الأمل بطمأنينة وسلام.

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست