responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 14

أحكام زكاة الفطرة

وهي واجبة على كل مكلف سواء صام الشهر أم لا، وكان حاضراً أم مسافراً. بشرط بلوغه وعقله وحريته وغناه، وهي تجب عند غروب ليلة العيد وهو جامع للشرائط، فيعطي عمن كان حين دخول ليلة الفطر بمن يعول به سواء كان المعال به ذكرا أم أنثى أو كان حرا أم مملوكا عاقلا أو مجنونا كبيرا أم صغيرا حتى الرضيع وسواء كان مؤمنا أم مخالفا أم كافرا أو كان ضيفا غنيا أو فقيرا أو كان رحما أو غيره صائما أو مفطرا بل وحتى زوجته المطلقة إذا كان قائما بشؤونها بحيث تعد ممن يعول بهم. وأما النوع الذي يعطى منه الفطرة، هو ما كان يتغذى منه قومه غالبا أعني الثمرة المتعارف في مكان إخراجها كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والحليب والرز ونحو ذلك، من الأجناس التي يؤخذ منه الغذاء المستخرج منها بعد الطبخ أو المزج كالسويق والحلوى والخبز ونحو ذلك، ولا يعطي غير المتعارف به كالخضروات والفواكه، ويجوز أن يعطي النقود وغيرها بعنوان القيمة للجنس الذي يريد أن يعطيه فطرة. ومقدار ما يعطيه عن كل نفس كيلوان وثلاثة أرباع الكليو وستة وسبعون غراما إلا خمس الغرام، وللفرار من الكسر والحساب يعطي ثلاث كيلوات أو يعطي قيمتها. ومبدأ إعطائها من غروب ليلة عيد الفطر، ولا يجب عليه تأخيرها إلى طلوع الفجر، ويستحب إخراجها يوم الفطر قبل صلاة العيد ولو بعزلها ينتظر بها رجلا مستحقا لها، وإذا لم يؤدها يوم الفطر وجب عليه أن يؤديها كسائر الواجبات اليومية. وقد اتفقت كلمة الفقهاء على حرمة تأخيرها عن يوم العيد إذا لم تعزل وإذا عزلت جاز تأخيرها.

كلمة في التصدق على الفقراء في العيد المبارك‌

أيها المسلمون:

إذا جاء العيد فلا تنسوا أن يشارككم في استقباله وإقامة معالمه مئات الملايين من إخوانكم المسلمين في سائر أطراف المعمورة ولايفوتكم أن تفكروا في أمرهم وتشاطروهم في سرائهم وضرائهم بعد أن وصل الله (عز و جل) بينكم وبينهم بعقدة الإخاء وألزمكم التراحم والحنان ونهاكم عن التباعد والاعتزال وقضى بينكم بالمحبة والمودة والشفقة والرأفة.

فلا تبخلوا بالإحسان على ذوي الحاجات منهم وتلطفوا بالصدقة على فقرائهم ومساكينهم الذين أصبحوا يتوسدون التراب ويأكلون خشن العيش، تصهرهم الشمس بأشعتها والرمضاء بلفح هجيرها، قد عانوا من جراء الفقر آلاماً ثقيلة ورزحوا تحت أعباء مرهقة قاسية، فجدير بكم أن تفتحوا آذانكم لسماع أنينهم المتواصل وزفراتهم المحرقة الدامعة فتنجدونهم كما أمركم الله بما وسع عليكم من نعمه السابغة وأياديه الوافرة، فأنتم المسؤولون أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون وما للظالمين من أنصار فقد أحدقت بهم الخطوب والويلات وحاطت بهم المحن والنكبات ونشر البؤس ألويته فيهم وبسط سطوته عليهم وفتك المرض بأجسامهم فتك الطاغية المستبد، وسار بهم نحو الفناء سير العاجل المستحث، ولا تحسبوا أن الصوم ينجيكم من العذاب ما لم تختموه بالصدقة على الفقراء فصومكم معلق بين السماء والأرض يقرع أبواب الرحمن فلا يؤذن له حتى تواسوا الأيتام وتصلوا الأرحام وتختموا بالزكاة منه الأيام فقد ورد (أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة) وقد قال تعالى: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ‌] [1] ولا تظنوا أن الصلاة تنجيكم من العذاب، ما لم تنفقوا مما رزقكم الله سراً وعلانية ترجون وجه الله تعالى.

فالصلاة لا يقبلها الرحمن، ما لم يزكِ ماله الإنسان فقد ورد (أن من صلى ولم يزكِ لم تقبل منه الصلاة) [2]، فبالصلات تقبل الصلاة. قال الله تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى‌] [3].

فعليكم أن تبتغوا مرضاة الله، وتسارعوا إلى غفرانه بإغاثة الملهوف، وإعانة المكروب، ورفع لوعة الجوع وسورة الجزع ولا سيما عمن تحلى بالآداب لا بالثياب، وأشبع نفسه من الفضائل لا من المآكل، وقنع باليسير وتمشى مع المقادير وكرم نفسه عن ذل السؤال ولم يتحمل منن الرجال وكان الصبر على الفاقة والجوع أهون عنده من التذلل والخنوع.

كلمة في تشريع الحج وفلسفته‌

إن الحياة في هذا اليوم قد تطور فيها العالم والرأي، واتسعت مدارك الأدمغة الناضجة لتنير الطريق أمام البشرية لتفهم أسرار الحياة وأطوارها وشؤونها، وقد أزالت كثيراً من الأوهام التي تروج في سوق الإبهام والغموض وتنضج في سهامه الجهل والظلام، وأصبح الإنسان ينظر إلى حقائق الكون ونظمه سواء التكوينية منها أو التشريعية بمنظار المنطق الصحيح الصائب لتتفتح وتتضح لديه أسرار الكائنات في سائر نواحيها وآفاقها. ومن هذا المنفذ يتطلع أرباب الفكر سواء المسلم منهم وغيره، إلى شرح تشريع الحج وأسراره ومنافعه، فعلم أن الروح الدينية والعقيدة الإسلامية و إدراك المسؤولية بما وراء الموت تحول بين الإنسان وبين الجرائم، مهما كان نوعها ومهما قويت أسبابها وتوجد في الإنسان عامل قوة الإرادة، حيث أنه إذ ذاك يرجع إلى الله في حوائجه ويستمد منه العون في مقاصده دون أن يعتمد على غيره في مهماته ومتطلباته، كما أنه بذلك تهون عليه كوارث الحدثان ومحن الدهر ومصائب الزمان، إذ يشعر بأن الله الرؤوف بعباده والرحيم بمخلوقاته سيعوضه عما أصابه من الشدائد بما أوفى وأفاء، ويجازيه عما حل فيه من المكاره جزاء يستوفيه بكامله تنعشه بعيشة ترضيه ولهذا المعنى الرائع يشير القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‌].

توجيه وهداية في الحج‌

( (لبيك اللهم لبيك))

نداء نادتك به أُول البصائر، من يوم كانوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء معلنة في هذا اليوم لعظمتك، خاضعة لجلال قدرتك وجمال لطفك، مادة أعناقها نحو شامخ مقام قدسك، شاخصة بأبدانها نحو البيت العتيق من كل فج عميق ذلك البيت الذي من حج إليه نال السعادة بغفران ذنوبه وكان كيوم ولدته أمه تبارك الله أحسن الخالقين.


[1] سورة التوبة، الآية( 34- 35)

[2] عن البرقي عن السياري عن الحارث بن دلهاث عن أبيه عن أبي الحسن الرضا( ع) قال( إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج 74/ ص 68/ رواية 40/ باب 2.

[3] سورة الليل، الآية( 5- 21).

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 14
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست