قَريَتِكَ) يعني مكة (الَّتِي أَخرَجَتكَ أَهلَكناهُم فَلا ناصِرَ لَهُم) الآن فما ألذي يؤمن هؤلاء أن يفعل بهم مثل ذلک. و معني (و كأين) (و كم) و الأصل فيها ( أي ) قرية إلا أنها إذا لم تضف تؤنث. ثم قال علي وجه التهجين للكفار و التوبيخ لهم (أَ فَمَن كانَ عَلي بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ) أي حجة واضحة. قال قتادة: يعني محمداً صَلي اللّهُ عَليه و آله.
و قال قوم: يعني به المؤمنين الّذين عرفوا اللّه تعالي و أخلصوا العبادة (كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) من المعاصي زينها لهم الشيطان و أغواهم بها (وَ اتَّبَعُوا أَهواءَهُم) أي شهواتهم في ذلک، و ما تدعوهم اليه طباعهم.
ثم اخبر تعالي عن وصف الجنة الّتي وعد المتقين بها، فقال (مثل الجنة) أي وصف الجنة (الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ) بها (فِيها أَنهارٌ مِن ماءٍ غَيرِ آسِنٍ) أي غير متغير لطول المقام (وَ أَنهارٌ مِن لَبَنٍ لَم يَتَغَيَّر طَعمُهُ) لمثل ذلک (وَ أَنهارٌ مِن خَمرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ) يلتذون بشربها و لا يتأذون بها و لا بعاقبتها (وَ أَنهارٌ مِن عَسَلٍ مُصَفًّي) من کل أذي (وَ لَهُم فِيها مِن كُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم) تلحقهم أي لا يلحقهم في الجنة توبيخ بشيء من معاصيهم، لان اللّه قد تفضل بسترها عليهم فصارت بمنزلة ما لم يعمل بابطال حكمها.
و قوله (مثل الجنة) مرفوع بالابتداء، و خبره محذوف، و تقديره ما يتلي عليكم مثل الجنة الّتي وعد المتقون، و لو جعل المثل مقحماً جاء الخبر المذكور عن الجنة كأنه قيل الجنة الّتي وعد المتقون فيها كذا و فيها كذا.
و قوله (كَمَن هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ) أي يتساوي من له نعيم الجنة علي ما وصفناه و من هو في النار مؤبدا؟! و مع ذلک (سُقُوا ماءً حَمِيماً) أي حاراً (فَقَطَّعَ أَمعاءَهُم) من حرارتها، و لم يقل أمن هو في الجنة لدلالة قوله (كَمَن هُوَ خالِدٌ) عليه. و قيل: معني قوله (كَمَن هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ