اللّه و جحدوا نعمه «لِلحَقِّ لَمّا جاءَهُم» يعني القرآن، و المعجزات الّتي ظهرت علي يد النبي صَلي اللّهُ عَليه و آله «هذا سِحرٌ مُبِينٌ» أي حيلة لطيفة ظاهرة، و من اعتقد ان السحر حيلة لطيفة لم يكفر بلا خلاف. و من قال انه معجزة کان كافراً، لأنه لا يمكنه مع هذا القول ان يفرق بين النبي و المتنبي.
ثم قال «أَم يَقُولُونَ افتَراهُ» أي بل يقولون اختلقه و اخترعه فقال اللّه تعالي له «قل» لهم «إن» كنت (افتريته) و اخترعته (فَلا تَملِكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيئاً) أي ان کان الأمر علي ما تقولون إني ساحر و مفتر لا يمكنكم أن تمنعوا اللّه مني إذا أراد اهلاكي علي افترائي عليه (هُوَ أَعلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) يقال:
أفاض القوم في الحديث إذا مضوا فيه، و حديث مستفيض أي شائع، من قولكم هذا سحر و افتراء، ثم قل لهم (كفي به) يعني باللّه (شَهِيداً بَينِي وَ بَينَكُم) يشهد للمحق منا و المبطل (وَ هُوَ الغَفُورُ) لذنوب عباده (الرحيم) بكثرة نعمه عليهم. و في ذلک حث لهم علي المبادرة بالتوبة و الرجوع إلي طريق الحق، ثم قال (قل) يا محمّد صَلي اللّهُ عَليه و آله (ما كُنتُ بِدعاً مِنَ الرُّسُلِ) فالبدع الاول في الأمر يقال:
هو بدع من قوم أبداع قال عدي بن زيد:
فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالا عرت من بعد بؤس و اسعد[1]
قال إبن عباس و مجاهد و قتادة: معناه ما كنت بأول رسول بعث و قوله (وَ ما أَدرِي ما يُفعَلُ بِي وَ لا بِكُم) قال الحسن: معناه لا أدري ما يأمرني اللّه تعالي فيكم من حرب او سلّم او تجعيل عقابكم او تأخيره. و قال قل لهم (إِن أَتَّبِعُ إِلّا ما يُوحي إِلَيَّ) أي لست اتبع في أمركم من حرب او سلّم او امر او نهي إلا ما يوحي اللّه إليّ و يأمرني به (وَ ما أَنَا إِلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي لست إلا مخوفاً من