المخاطبة توكيداً، و (هذا) نصب ب (أ رأيتك)، و الجواب محذوف. و المعني ما قدمناه.
و قوله «لَئِن أَخَّرتَنِ إِلي يَومِ القِيامَةِ لَأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلّا قَلِيلًا»، و معني لأحتنكن لاقطعنهم الي المعاصي، يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم او غير ذلک، قال الشاعر:
أشكو اليك سنة قد أجحفت جهداً إلي جهد بنا و أضعفت
و احتنكت أموالنا و جلفت[1]
و قال إبن عباس: معني «لأحتنكنّ» لأستولينّ، و قال مجاهد: لأحتوين، و قال إبن زيد: لأضلنهم، و قال قوم: لاستأصلن ذريته بالإغواء، و قال آخرون:
لأقودنهم إلي المعاصي، کما تقاد. الدابّة بحنكها إذا شدّ فيها حبل تجرُّ به.
و قوله «الا قليلًا» استثناء من إبليس القليل من ذرّية آدم الّذين لا يتبعونه و لا يقبلون منه. فقال اللّه تعالي عند ذلک «اذهب» يا إبليس «فَمَن تَبِعَكَ» من ذرية آدم و اقتفي أثرك و قبل منك «فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُم جَزاءً مَوفُوراً» أي كاملًا، يقال منه: و فرته أفره و فراً، فهو موفور، و قال زهير:
و من يجعل المعروف من دون عرضه يفره و من لا يتق الشتم يشتم[2]
و و فرّته توفيراً، و يقال: موفوراً بمعني وافر، في قول مجاهد، كأنه ذو وفر، كقولهم: لابن أي ذو لبن، و قد دل علي انهم لا ينقصون من عقابهم الّذين يستحقونه شيئاً، و في ذلک استخفاف به و هو ان له. و انما ظن إبليس هذا الظن الصادق، بأنه يغوي اكثر الخلق، لان اللّه تعالي کان قد أخبر الملائكة أنه سيجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء، فكان قد علم بذلك. و قيل: