فكم فيهم من سيد متوسع و من فاعل للخير إن هم أو عزم
ففرق بين الهم و العزم و ظاهر التفرقة يقتضي اختلاف المعني، و منها المقاربة يقولون: هم بكذا، و كذا أي كاد يفعله قال ذو الرّمة:
أقول لمسعود بجرعاء مالك و قد هم دمعي ان تسيح اوائله[1]
و الدمع لا يجوز عليه العزم، و انما أراد كاد، و قارب، و قال ابو الأسود الدؤلي:
و كنت متي تهمم يمينك مرة لتفعل خيراً يعتقبها شمالكا[2]
و علي هذا قوله تعالي «جِداراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ»[3] أي يكاد و قال الحارثي:
يريد الرمح صدر أبي براءٍ و يرغب عن دماء بني عقيل[4]
و منها الشهوة و ميل الطباع، يقول القائل فيما يشتهيه و يميل طبعه و نفسه اليه هذا من همي، و هذا أهم الأشياء الي. و روي هذا التأويل في الآية عن الحسن. و قال: اما همها و کان أخبث الهم، و اما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء، و إذا احتمل الهم هذه الوجوه نفينا عنه (ع) العزم علي القبيح و أجزنا باقي الوجوه، لان کل واحد منها يليق بحاله، و يمكن ان يحمل الهم في الآية علي العزم، و يکون المعني، و هم بضربها و دفعها عن نفسه، کما يقول القائل كنت هممت بفلان اي بأن أوقع به ضرباً او مكروهاً، و تكون الفائدة علي هذا الوجه في قوله «لَو لا أَن رَأي بُرهانَ رَبِّهِ» مع ان الدفع عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها، إنه لما هم بدفعها أراه اللّه برهاناً علي انه ان اقدم علي ما يهم به، أهلكه أهلها و قتلوه، و انها تدّعي عليه المراودة لها علي القبيح و تقذفه بأنه دعاها اليه و ضربها لامتناعها منه، فأخبر تعالي انه صرف بالبرهان عنه السوء