لان الخشية متي كانت بالغيب علي ما قلناه كانت بعيدة من النفاق، و خالصة لوجه اللّه. و خشية اللّه بالغيب تنفع بأن يستحق عليها الثواب، و الخشية في الظاهر و ترك المعاصي لا يستحق بها الثواب و إنما لا يستحق عليها العقاب. و إنما الخشية في الغيب أفضل لا محالة.
و قوله (لَهُم مَغفِرَةٌ وَ أَجرٌ كَبِيرٌ) أي لمن خشي اللّه و اتقاه بالغيب ستر اللّه علي معاصيه و لهم ثواب كبير لا فناء له. و قيل: معني (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ) أي يخافونه، و هم لا يرونه. و قيل (بالغيب) أي في سرهم و باطنهم، و من علم ضمائر الصدور علم إسرار القائل إلي غيره. و قال الحسن: معناه يخشون ربهم بالآخرة لأنها غيب يؤمنون به، و کل من خشي ربه بالغيب خشيه بالشهادة، و ليس کل من خشيه بالشهادة يخشي بالغيب.
ثم قال مهدداً للعصاة (وَ أَسِرُّوا قَولَكُم أَوِ اجهَرُوا بِهِ) و معناه إن شئتم أظهروه و إن شئتم ابطنوه فانه عالم بذلك ل (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فمن علم ضمائر الصدور علم إسرار القول.
و قوله (أَ لا يَعلَمُ مَن خَلَقَ) معناه من خلق الصدور يعلم ما في الصدور و يجوز ان يکون المراد أ لا يعلم من خلق الأشياء ما في الصدور. و قيل تقديره أ لا يعلم سر العبد من خلقه يعني من خلق العبد، و يجوز أن يکون المراد أ لا يعلم سر من خلق، و حذف المضاف و أقام المضاف اليه مقامه. و لا يجوز أن يکون المراد ألا يعلم من خلق أفعال القلوب، لأنه لو أراد ذلک لقال ألا يعلم ما خلق، لأنه لا يعبر عما لا يعقل ب (من) و لا يدل ذلک علي أن الواحد منا لا يخلق أفعاله من حيث أنه لا يعلم الضمائر، و إنا بينا أن المراد ألا يعلم من خلق الصدور أي خلق الأشياء و الواحد منا لا يخلق ذلک فلا يجب أن يکون عالماً بالضمائر.