و قوله (يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ) معناه يتنزل الأمر بالتدبير من اللّه بين السموات و بين الأرضين، بحياة بعض و موت بعض، و غني إنسان و فقر غيره، و سلامة حي و هلاك آخر، و تصريف الأمور علي الحكمة لا يکون إلا من قادر عالم و هو معني قوله (لِتَعلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) فالقادر، هو من کان له مقدور يصح منه إيقاعه علي بعض الوجوه کما ان السامع هو من له مسموع موجود و القدير عبارة عمن يجب أن يکون قادراً علي ما يصح ان يکون مقدوراً له ك (سميع) يفيد أنه علي صفة يجب ان يسمع لأجلها ما يصح ان يکون مسموعاً.
و قوله (وَ أَنَّ اللّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلماً) معناه إن معلوماته متميزة له بمنزلة ما قد أحاط به فلم يفته منه شيء، و مثله (وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلماً)[1] أي إنه ليس بمنزلة ما يحضره العلم بمكانه، فيكون كأنه قد أحاط به و قوله (وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ إِلّا بِما شاءَ)[2] معناه و لا يحيطون بشيء من معلومه إلا بما شاء أن يضطرهم اليه أو يدلهم عليه، فهو تذكير بالنعمة أي لا ينالون هذه المنزلة إلا بمشيئة، و لو لا ذلک لا يعلمون شيئاً من معلوماته إلا بما شاء، لكن لما دخل التذكير بالنعمة حسن من هذه الجهة و ليس في القرآن آية تدل علي أن الأرضين سبع، غير هذه- ذكره الجبائي- و قوله (لِتَعلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) دليل علي بطلان مذهب المجبرة في أن اللّه أراد من قوم أن يجهلوا كونه علي هذه الصفة، لأنه تعالي بين انه ذكر ما تقدم وصفه ليعلم المكلفون أجمعون (أَنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ و انه) تعالي قادر (قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلماً) و علي مذهب المجبرة إن اللّه تعالي أراد من جماعة الكفار خلاف ذلک و أراد منهم ان يجهلوه و يجهلوا صفاته و ذلک خلاف الظاهر. و قوله (علماً) نصب علي المصدر و دل عليه قوله تعالي