و قوله (وَ مَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ) معناه من ضيق عليه، لأنه أتي علي مقدار البلغة الّتي تضيق عن غيره، فمن هذه صورته «فَليُنفِق مِمّا آتاهُ اللّهُ» علي حسب إمكانه و طاقته (لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفساً إِلّا ما آتاها) يعني إلا بقدر ما أعطاها من الطاقة.
و في ذلک دلالة علي انه تعالي لا يكلف أحداً ما لا يقدر عليه و لا يطيقه.
ثم قال (سَيَجعَلُ اللّهُ بَعدَ عُسرٍ يُسراً) أي سيفعل اللّه بعد شدّة سهولة، فاليسر إتيان الأمر من غير مشقة، و هو سهولة الأمر، و ضده العسر، و هو صعوبة الأمر.
و قوله (وَ كَأَيِّن مِن قَريَةٍ) معناه و (كم من قرية) علي التكثير، لأنه يخبر ب (كم) عن الكثرة (عَتَت عَن أَمرِ رَبِّها) و العتو الخروج إلي فاحش الفساد. و المعني كم من أهل قرية كفروا باللّه و تجبروا عن طاعته و خرجوا بذلك الي افحش الفساد (وَ رُسُلِهِ) معناه عتوا عن امر اللّه و امر رسوله (فَحاسَبناها حِساباً شَدِيداً) فالحساب الاعمال مقابلة ما يستحق علي الطاعة و بما يستحق علي المعصية و الحساب الشديد مقابلة ذلک من غير تجاوز عن صغيرة و لا عفو عن ذنب، و ذلک أن الكافر يعاقب علي کل صغيرة و كبيرة من حيث انه لا طاعة معه تكفر معاصيه. و قوله (وَ عَذَّبناها عَذاباً نُكراً) معناه عذبنا أهل تلك القرية العاتية عذاباً نكراً، و هو ألذي ينكره الطبع و تأباه النفوس لصعوبته و شدته. و الأمر النكر ألذي ينكره العقل. و قوله (فَذاقَت وَبالَ أَمرِها) فالوبال عاقبة السوء، أسند الفعل الي القرية، فلذلك أنث قوله (فَذاقَت) و لو قال: (عتوا، عن أمر ربهم، و عذبناهم فذاقوا) علي المعني کان جائزاً. و الوبال ثقل العائد من الضر. و قيل: ان معني نكر أنه متجاوز في الشدة لكل ما عرفوه في الدنيا من العقوبة او کان عاقبة أمرها حسراً أي و کان آخر أمر تلك القرية العاتية خسراً أي هلاك أنفسهم، و أصله هلاك رأس المال.
ثم بين ما لهم في الآخرة، فقال (أَعَدَّ اللّهُ لَهُم عَذاباً شَدِيداً) من عذاب النار