و قوله (وَ اللَّيلِ إِذا سَجي) قسم آخر، و قال الحسن: معني (سجي) غشي بظلامه. و قال قتادة: معني (سجي) سكن و هذا من قولهم: بحر ساج أي ساكن، و به قال الضحاك، يقال: سجا يسجو سجواً إذا هدئ و سكن، و طرف ساج قال الأعشي:
فما ذنبنا ان جاش بحر إبن عمكم و بحرك ساج لا يواري الدعا مصا[1]
و قال الراجز:
يا حبذا القمراء و الليل الساج و طرق مثل ملاء النساج[2]
و قوله (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلي) جواب القسم. و قيل: إنه لما تأخر عنه الوحي خمس عشرة ليلة، قال قوم من المشركين: و دع اللّه محمداً و قلاه. فانزل اللّه تعالي هذه السورة تكذيباً لهم و تسلية للنبي صلي الله عليه و آله، لأنه کان اغتم بانقطاع الوحي عنه- ذكره إبن عباس و قتادة و الضحاك- و معني (ما ودعك) ما قطع الوحي عنك، و معني (قلي) أبغض- في قول إبن عباس و الحسن و إبن زيد- و القالي المبغض يقال: قلاه يقلاه قلا إذا أبغضه. و العقل دال علي انه لا يجوز ان يقلي اللّه احداً من أنبيائه. و التقدير ما قلاك، فحذف الكاف لدلالة الكلام عليه، و لأن رؤس الآي بالياء، فلم يخالف بينها، و مثله (فآوي، و فهدي، و فأغني) لأن الكاف في جميع ذلک محذوفة، و لما قلناه.
و قوله (وَ لَلآخِرَةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الأُولي) خطاب للنبي صلي اللّه عليه و آله يقول الله تعالي له إن ثواب الآخرة و النعيم الدائم فيها خير لك من الأولي يعني من الدنيا، و الكون فيها لكونها فانية. قال إبن عباس: له في الجنة ألف قصر من اللؤلؤ ترابه المسك، و فيه من کل ما يشتهي علي أعم الوصف.