لما حكي اللّه تعالي عن نوح أنه قال يا رب اني دعوت قومي الي طاعتك ليلا و نهاراً فلم يزدادوا عند دعائي إلا بعداً عن القبول قال «وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوتُهُم» إلي اخلاص عبادتك «لِتَغفِرَ لَهُم» معاصيهم جزاء علي ذلک «جَعَلُوا أَصابِعَهُم فِي آذانِهِم» لئلا يسمعوا كلامي و دعائي «وَ استَغشَوا ثِيابَهُم» أي طلبوا ما يستترون به من الثياب و يختفون به لئلا يرونه. و قال الزجاج: معناه إنهم كانوا يسدون آذانهم و يغطون وجوههم لئلا يسمعوا كلامه. فالاستغشاء طلب الغشي، فلما طلبوا التغشي بثيابهم فراراً من الداعي لهم، كانوا قد استغشوا «و أصروا» أي أقاموا علي كفرهم و معاصيهم عازمين علي فعل مثله، فالإصرار الاقامة علي الأمر بالعزيمة عليه فلما كانوا مقيمين علي الكفر بالعزم عليه كانوا مصرّين. و قيل إن الرجل منهم کان يذهب بابنه إلي نوح، فيقول لابنه: احذر هذا لا يغوينك، فان أبي قد ذهب بي اليه و أنا مثلك، فحذرني کما حذرتك، ذكره قتادة. و قوله «وَ استَكبَرُوا استِكباراً» أي طلبوا بامتناعهم من القبول مني و اخلاص عبادتك تجبراً في الإرض و علواً فيها.
ثم حكي أنه قال «ثُمَّ إِنِّي دَعَوتُهُم جِهاراً» أي اعلاناً «ثُمَّ إِنِّي أَعلَنتُ لَهُم» أي أظهرت الدعاء لهم الي عبادتك تارة «وَ أَسرَرتُ لَهُم» أي و أخفيت لهم الدعاء الي مثل ذلک كرة أخري «فَقُلتُ» لهم «استَغفِرُوا رَبَّكُم» أي اطلبوا المغفرة علي كفركم و معاصيكم من اللّه تعالي «إِنَّهُ كانَ غَفّاراً» لكل من طلب منه المغفرة و يغفر فيما بعد لمن يطلب منه ذلک و متي فعلتم ذلک و اطعمتموه و رجعتم عن كفركم و معاصيكم «يُرسِلِ» اللّه تعالي «السَّماءَ عَلَيكُم مِدراراً» أي كثيرة الدرور بالغيث و المطر، و قيل: إنهم كانوا قحطوا و أجدبوا و هلكت أولادهم و مواشيهم، فلذلك رغبهم في ترك ذلک بالرجوع الي اللّه، و الدرور تجلب الشيء حالا بعد حال علي الاتصال يقال: درّ درّاً و دروراً فهو دار، و المطر الكثير الدّرور مدراراً. و قيل: