و إنما السراة ترتدي بالاكم، و لكنه قلب، فهو يجري مجري التقديم و التأخير اتساعاً في اللغة من غير إخلال بالمعني. و يقولون أيضاً: ادخلت الخاتم في يدي، و الخف في رجلي، و إنما تدخل اليد و الرجل في الخاتم و الخف، فقلب.
ثم بين تعالي لم فعل به ذلک! و علي أي شيء استحقه، فقال «إِنَّهُ كانَ لا يُؤمِنُ بِاللّهِ» أي لم يكن يوحد اللّه في دار التكليف و لم يصدق باللّه «العظيم» في صفاته الّتي لا يشاركه فيها غيره «وَ لا يَحُضُّ عَلي طَعامِ المِسكِينِ» أي لا يحث علي ذلک مما يجب عليه من الزكاة و الكفارات و النذور.
ثم قال تعالي «فَلَيسَ لَهُ» يعني للكافر «اليَومَ هاهُنا» يعني يوم القيامة «حَمِيمٌ» و هو القريب ألذي يحمي لغضب صاحبه «وَ لا طَعامٌ إِلّا مِن غِسلِينٍ» يعني من صديد أهل النار و ما يجري منهم، فالطعام هو ما هيئ للأكل، فلذلك لا يسمي التراب طعاماً للإنسان، و الخشب طعام الأرضة، و ليس من طعام أكثر الحيوان.
فلما هيئ الصديد لأكل أهل النار کان ذلک طعاماً لهم. و الغسلين هو الصديد ألذي يتغسل بسيلانه من أبدان أهل النار. و وزنه (فعلين) من الغسل. و قال إبن عباس:
هو صديد أهل النار. و قيل: اهل النار طبقات منهم من طعامه الضريع، و منهم من طعامه الغسلين، لأنه قال في موضع آخر «لَيسَ لَهُم طَعامٌ إِلّا مِن ضَرِيعٍ»[2] و قال قطرب: يجوز أن يکون الضريع هو الغسلين، فعبر عنه بعبارتين، و قال قوم: