( بصير إذ لا منظور اليه من خلقه ) اعلم أن بعض الصفات هي الامور الاضافية أي تحتاج الى طرفين ، كالضرب فانه لا يتحقق إلا بعد وجود المضروب و الكسر لا يحدث إلا بعد وجود المكسور ، كذلك النظر لا يكون إلا بعد وجود المنظور إليه ، و هو الشيء الذى تراه العين هذا شأن المخلوقين لكن اللّه تعالى بصير لا بالعين ، و بصير سواء كان شيء يرى أو لم يكن ، و بعبارة أخرى : اللّه تعالى كان بصيرا قبل أن يخلق الموجودات ، و قد سبق ان قلنا أن صفات اللّه عين ذاته ، و انها لا تتغير ، و من جملة صفاته التي عين ذاته هي أن يكون بصيرا ، و جميع الموجودات حادثة أي مسبوقة بالعدم ، فاللّه تعالى كان بصيرا قبل أن يكون شيء منظورا اليه .
و الى هذا أشار سيدنا و إمامنا أبو عبد اللّه الصادق ( ع ) بقوله حيث قال : لم يزل اللّه ربنا و العلم ذاته و لا معلوم ، و السمع ذاته و لا مسموع ، و البصر ذاته و لا مبصر ،
و القدرة ذاته و لا مقدور ، فلما أحدث الأشياء ، و كان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، و السمع على المسموع ، و البصير على المبصر ، و القدرة على المقدور .
و بعبارة أخرى انه تعالى سميع بصير في الأزل ، أي إذا وجد المسموع و المبصر لأدركهما عند وجودهما ، و هذا هو الفرق بين السامع و السميع ، و البصير و المبصر .
( متوحد إذ لا سكن يستأنس به و لا يستوحش لفقده ) التوحد و الوحدانية هو الانعزال و التفرد عن الناس ، مثلا إذا قيل : فلان تفرد عن الناس . فمعناه انه من عادته الاستيناس بهم ، لأن البشر مدني بالطبع . أي طبيعته المؤانسة بأمثاله من الناس ، و ان يعيش معهم لا وحده ، كبعض الحيوانات . هذا بالنسبة الى المخلوق و اما اللّه تعالى فهو توحد و تفرد و لكن لم يكن من شأنه لأنس و الاستيناس ، إذ ذلك من خواص المزاج ، و لأن الوحشية نقص و قصور ، و هي من مصاديق