المصالح و المفاسد التي تبتنى عليها الأحكام، قد تكون شخصية راجعة إلى آحاد المكلفين كالواجبات العبادية و غالب المحرمات، كالصوم و الصلاة و الحج و الزنا و شرب الخمر و غير ذلك ممّا تعود المصلحة و المفسدة إلى شخص الفاعل.
و قد تكون نوعية كالواجبات النظامية: من الطبابة و الصياغة و الخياطة و نحو ذلك ممّا يتوقف عليها حفظ الجامعة و النظام.
و في كلا القسمين تكون المصلحة و المفسدة في متعلق الأمر، لا في نفس الأمر، فانّه لو كانت المصلحة في نفس الأمر و الجعل كان اللازم حصولها بمجرد الأمر و لم يبق موقع للامتثال، فالمصلحة لا بد و أن تكون في المتعلق، بل في الأوامر الامتحانية أيضا لا تكون المصلحة في نفس الأمر، و إنّما المصلحة في إظهار العبد الطاعة و العبودية.
و بالجملة: دعوى كون المصلحة في نفس الأمر و الجعل و لو موجبة جزئية ممّا لا سبيل إليها.
إذا عرفت هذه الأمور، فاعلم: أنّ المراد من «الضرر» في قول المستدل «إنّ الظن بالحكم يستلزم الظن بالضرر» إن كان هو العقاب فالملازمة ممنوعة، فانّ العقاب يدور مدار التنجيز و هو يدور مدار وصول التكليف و إحرازه بالعلم أو ما يقوم مقامه من الطرق الشرعية، لما عرفت (في الأمر الأوّل) من أنّ التكليف بوجوده الواقعي قاصر عن أن يكون داعيا و محركا لإرادة العبد و يقبح العقاب عليه. و الظن بالحكم مع عدم قيام الدليل على اعتباره و جعله كاشفا و محرزا لا يقتضى وصول الحكم، و ما لم يصل لا عقاب عليه، لاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف، فالظن بالحكم لا يلازم احتمال العقاب فضلا عن الظن به، لأنّ العقاب فرع التنجيز و هو فرع الوصول، فما يقال: من «أن الظن بالحكم و إن لم يلازم الظن بالعقاب إلّا أنّه يحتمل