كان قد حكى الإجماع على اعتبار الظن الحاصل من قول اللغوي بالخصوص، لا من باب الظن المطلق.
و قد يستدل على ذلك بما دلّ على اعتبار قول أهل الخبرة، و لا ينبغي الإشكال في الكبرى، فانّ الرجوع إلى أهل الخبرة و الاعتماد على قولهم ممّا قد استقرت عليه طريقة العقلاء و استمرت عليه السيرة و لم يردع عنها الشارع، و لا يعتبر في الرجوع إلى قولهم شرائط الشهادة: من التعدد و العدالة، بل و لا الإسلام، فانّ اعتبار قولهم ليس من باب الشهادة حتى يحتاج إلى ذلك، لأنّ الشهادة هي الإخبار عن حسّ، و قول أهل الخبرة يتضمن إعمال الرّأي و الحدس [1] فهو باب آخر غير باب الشهادة، و لكن القدر المتيقن من بناء العقلاء هو ما إذا حصل من قولهم الوثوق لا مطلقا، إذ ليس بناء العقلاء على التعبد بقول أهل الخبرة مع الشك و عدم الوثوق، بل التعبد إنّما هو من وظائف المتشرعة، و ليس بناء العقلاء في شيء من المقامات على التعبد، فلا بد من حصول الوثوق من قول أهل الخبرة و إن لم يجتمع فيه شرائط الشهادة، إلّا إذا كان في مورد الدعوى و الخصومة، فانّه لا بد من التعدد و العدالة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان»[1] و غاية ما يقتضيه الدليل على اعتبار قول أهل الخبرة هو أن يكون حدسهم كحسّهم في الاعتبار، و هذا لا ينافى اعتبار اجتماع شرائط الشهادة: من التعدد و العدالة في خصوص
______________________________ [1] أقول: إذا كان حدسه قريبا بالحس، فلا غرو في إدخاله بباب الشهادة و لا يكون هذا الفرق بفارق.
نعم: لو كان حدسه حجة و لو لم يكن قريبا بالحس، فامتيازه عن باب الشهادة صحيح، و لكن فيما أفيد بعد ذلك من إمكان الاكتفاء في فصل الخصومة بصورة التعدد و العدالة نظر، إذ لنا منع اعتبار قولهم المستند بالحدس محضا. و حجية قول الفقيه للعامي بدليل مخصوص، لا من جهة كونهم أهل الخبرة، و حينئذ فالمتيقن من حجيته اشتماله على شرائط الشهادة لا مطلقا.
[1] الوسائل: الباب 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 1