القرآن أوّلا، و البحث عن الأحكام و أدلّتها ثانيا، فحصل لبادئ بدء طور جديد في الأحكام، طور الاستنباط و الاستدلال.
طلعت غرّة هذا الطّور في أوائل القرن الأوّل من الإسلام، و بادرت مسرعة نحو التّقدّم بالانتظام. فما انسلخ ذلك القرن إلّا عن البشارة بحدوث علم في العالم الإسلامي كافلا لجميع ما يحتاج الإنسان إليه في معاشه و معاده، ضامنا لسعادة من يعمل بمتضمّنه و مفاده.
ألا و هو علم الفقه.
- 4- وجد في العالم أنحاء شتّى من القوانين، يجمعها قسمان أصليان و هما:
1- الشّرائع السّماوية.
2- الشّرائع المدنيّة.
لا يهمّنا هنا استقصاء ما يكون بين القسمين من وجوه الفرق، لكن ما يجدر بان لا يهمل ذكره هنا وجهان أساسيّان:
الأوّل- انّ الشّرائع الإلهيّة ناظرة إلى حفظ جميع المصالح، سواء كانت متعلّقة بالفرد أم بالمجتمع، و على تعلقه بالفرد سواء كانت من حيث جسمه أم روحه، و سواء كانت باعتبار نشأته الفانية أم باعتبار حياته الباقية الخالدة، على انّ حيثيّة مناسبات هذه الشّئون بينها ملحوظة في تلك الشّرائع.
الثاني- انّ مقصود المعتقد المتعبّد بتلك الشّرائع ليس رفع المسئوليّة تجاه الشّرع و إسقاط التّكليف فحسب، بل يولّي وجه دقّته شطر «الواقع» ليحرزه و يصرف عنان همّته نحو ما خوّله الشّارع ليحفظه، و ذلك لأنّ الأحكام عنده تابعة للمصالح و المفاسد، و الشّرعيّات في نظره ألطاف في العقليّات من العوائد و الفوائد.
على انّ نفسه مطمئنّة بأنّ الشارع أصاب الواقع و لا يتخلّف حكم من أحكامه عمّا يكون هو له تابع.
هذا الفرق الثّاني هو الّذي حمل حماة الدّين و حملة الفقه على أنحاء من البحث في نواحي أدلّة الأحكام و مناحيها، فبحثوا عن الأوامر و معانيها، و عن