لأوله (1)، بمعنى وجوب إيقاعه من أوله إلى آخره عن النية و حينئذ يشكل الاكتفاء بتبييت النية إذا قصد الشروع فيه في أول يوم (2). نعم لو قصد وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ[1]، بدعوى: أن أمره تعالى بتطهير البيت لا يكون إلا لأن يتعبد فيه بطواف أو اعتكاف أو ركوع أو سجود، لا لمجرد اللبث و المكث و لو لغير العبادةمن سكنى أو بيتوتة أو بيع و نحو ذلككما هو مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع.
و فيه: أن الاهتمام بتطهير البيت لكل من يرد عليه و يكون فيه و إن لم يكن متعبدا غير عزيز. و حمل الآية الشريفة عليه غير بعيد، لمناسبته لعظمة البيت الشريف و رفعة شأنه.
على أنه تقدم عند الكلام في تحديد مفهوم الاعتكاف أن حمل العكوف في الآية الشريفة على الاعتكاف الشرعي دون المعنى اللغوي يحتاج إلى قرينة، و بدونها فهو ظاهر في المعنى اللغوي، الذي لا يبعد كون أصله اللزوم للشيء، و هو المناسب لما اختاره في مجمع البيانو نسبه لأكثر المفسرينمن أن المراد بالعاكفين المجاورين للبيت الشريف. و إليه يرجع ما عن ابن جبير من أنهم المقيمون في مكة المعظمة.
بل حيث كان المراد بالبيت هو الكعبة الشريفة لا المسجد الحرام فلا بد من حمل العاكفين فيه على المجاورين، دون اللابثين، لوضوح عدم لبث أحد في الكعبة. و حمل المجاورين على خصوص المعتكفين في المسجد الحراممع خلوه عن الشاهدبعيد جدا.
(1) كما هو الحال في جميع العبادات تبعا للمرتكزات. بل مقتضى قوله في صحيح داود بن سرحان المتقدم في تحديد مفهوم الاعتكاف: «فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟» تقومه بالقصد إليه في أول أزمنته. و لا ريب مع ذلك في لزوم إيقاعه بوجه قربي، لأنه من العبادات.
نعم خرج عن ذلك الصوم، لدليل يخصه، و لا مجال للتعدي منه لغيره.
(2) يعني: مع عدم استمرارهاو لو ارتكازاإلى حين طلوع الفجر، للغفلة