اتضاح أن وجوب الطاعة ولزوم الجماعة لا يعني الانصياع للسلطة
وقد اضطر ذلك رجال الدين والفقهاء- فيما بعد- إلى أن يفصحوا بحرمة طاعة السلطة في معصية الله تعالى[1]، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كما أن الجماعة التي يجب لزومها، ولا يجوز الخروج عنها، ليست هي جماعة الخليفة الحاكم، كما كان عليه الأمر في الصدر الأول، وحاول الحكام التشبث به على طول الخط، بل هي جماعة الحق أين كان، وكيف كان.
قال أبو شامة: «حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك به قليلًا والمخالف كثيراً، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي (ص) وأصحابه رضي الله عنهم، ولا ننظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم»[2].
وقال أبو حاتم: «الأمر بالجماعة بلفظ العموم، والمراد منه الخاص. لأن الجماعة هي إجماع أصحاب رسول الله (ص). فمن لزم ما كانوا عليه وشذّ عمن بعدهم لم يكن بشاق للجماعة، ولا مفارق لها، ومن شذّ عنهم وتبع من بعدهم كان شاقاً للجماعة. والجماعة بعد الصحابة هم أقوام اجتمع فيهم الدين والعقل والعلم، ولزموا ترك الهوى فيما هم فيه وإن قلّت أعدادهم، لا أوباش الناس ورعاعهم وإن كثروا»[4]. ونحوه كلام غيرهم.