اسم الکتاب : سعيد بن جبير: شيخ التابعين وإمام القراء المؤلف : البياتي، سلام محمد علي الجزء : 1 صفحة : 150
هذا الفكر السليم وهذه الرؤيا
الواضحة ليست فلسفة متشائمة عند سعيد ولا آمن بها ولا قرأ في المستقبل ليطّلع على
آراء (نيتشه)؛ وإنما هي رؤيا صادرة عن مؤمن ذي لبٍّ وعقلٍ متنورٍ عرف ربَّه حق
المعرفة، يرى (أنَّ اللهَ تعالى ليرحم يوم القيامة حتى ليقول؛ من كان مسلماً فليدخل
الجنان)([512]).
ومن نفس النظرة النيّرة ينطلق
رَدُّهُ لَمّا سُئِلَ: مَنْ أبعد الناس؟ قال: (رَجُلٌ اجترح الذنوب، فكلما ذكر ذنوبه
احتقر عمله)([513]).
وكانت نظرةُ سَعيد للعلم تنبع من هذه
المعرفةِ بالله ومن الخَشية الساكنة في أعماقه المتدفقة في سلوكه فهو يرى في الجهل
هلاك الناس.
رأيه
في المال
وأما رأيه في
(المال) فلا يختلف عن نظرته الكلية للحياة الدنيا تلك النظرة التي تسلّح بها من
كثرة تدبّره في آيات القرآن الكريم الذي نزّله الله سبحانه وتعالى تبياناً لكل
شيء، بهذا المفهوم سلك في الحياة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ...}([514])، فهو لا يعارض
جمع المال إذا كان بالطرق التي أحلها الله، ولكنه لا يرى خيراً في شيء جمع من أجل
الدنيا إلاّ ما طاب وزكا([515]).
(وإنَّ مِنْ إضاعة المال أنْ يرزقك
اللهُ رزقاً حلالاً فتنفقه في معصية الله)([516]).