اسم الکتاب : الزواج و الأسرة المؤلف : قاسم، عيسى احمد الجزء : 1 صفحة : 103
وقد أقصت الأنظمة الحاكمة في الأمة
الإسلامية الشريعة المقدسة عن المساحة الكبرى لحياة الناس، واعتمدت على مصادر
تشريعية من وضع الإنسان، وإذا كانت بعض الدساتير تنص على كون الشريعة مصدراً
أساسياً من مصادر التشريع فإن هذا في الأغلب مجرد قضية نظرية قد يؤخذ بها حين
توافق هوى المشرع الأرضي. واعتمادها دستورياً في الكثير لإسكات الشعوب، على أن
الشريعة في الحقّ هي وحدها التشريع الثابت في حياة المسلمين بأمر الله وتبليغ
رسوله صلي الله عليه و آله.
مع هذا بقيت مسألة الأحوال الشخصية
خارج دائرة القانون الوضعي، ومحكومة بالشريعة في كثير من البلدان الإسلامية
لحساسيتها الشديدة في ضمير الإنسان المسلم، ولكونها لا صلة لها بمصالح الحاكمين
المباشرة على الأقل، ولا ضير فيها مباشرة على أطماع المستعمرين، ولكن ولطمع الغرب
[1] في فصل المسلمين عن الإسلام نهائياً، وبعد أن وجد من مواليه وعشّاق
حياته المتحلّلة طابوراً عريضاً في المجتمعات الإسلامية، بدأ يفرض وجهة نظره
وتشريعاته التي لا صلة لها بدين ولا قيم على مساحة الأحوال الشخصية في عدد من
البلاد الإسلامية لتحتلّ حضارته المادية كلّ المساحة في حياة المسلمين، وذلك من
خلال العملاء السياسيين والعملاء الحضاريين،- في نظري أن هناك عملاء سياسيين
وعملاء حضاريين، والعملاء الحضاريون قد يكونون أشدّ خطراً من العملاء السياسيين-
وشرائح صغيرة تدفعها الغفلة أو الهوى والجهل بقيمة الشريعة وقدسية أحكامها الإلهية
الثابتة. ويتمّ هذا استئصالًا للإسلام، وتركيزاً للفوضى الجنسية، ونسفاً لقيم
العفّة والشرف، وإذابة للفواصل الحضارية بين المسلمين والمستعمرين تسهيلًا لقبول
علاقات الهيمنة والتسلّط التي يمارسها الغرب