لعلاج مثل هذه المسألة ، فقد تصرّف وكأنّه متّهم مُشار إليه ، وذلك باتّخاذه موقف الدفاع ، والتشبّث بكلّ صغيرة وكبيرة لدعم فكرته وكأنَّ الوضوء ليس من العبادات الواضحة
في الشريعة ،
وكأن رسول الله لم يتوضأ بمرأى المسلمين ، وأن المسلمين لم يتزاحموا على قطرات ماء وضوئه 0 !!
نعم ؛ قد اتّجه الخليفة إلى الطريقة الأُولى ، ولكن لا كما تتطلّبه مصلحة الدين والملّة ، بل لتحصين فكرته الخاصّة به ، فقد كانت القوّة طريقته المثلى باطّراد لتثبيت
أفكاره وإسكات معارضيه طيلة سني حكمه الاثنتي عشرة ، لأنّه يرى في القوّة الأُسلوب الأنجح
والأكثر ترويضا ،
ولذا نراه قد استخدمه حتّى في أبسط وأقلّ المسائل أهميّة ، وسخّره بنطاق واسع في قمع معارضيه
الفكريين ،
مع احتمال كونهم أقرب منه إلى الحقّ ، وهو أبعد عنه بمسافات شاسعة !
لو قلنا : إنَّ كلا الفكرتين متوازيتان ،
أو إنَّ فكرة الخليفة هي الأرجح ، فأين وجه الصواب باستخدام القوّة بذلك النطاق الواسع ، مع وجود باب الحوار والنقاش مفتوحا على مصراعيه ؟!
نحن لا
نريد بهذه العجالة أن نقدّم جردا أحصائيّا كليّا عن سياسة العنف التي اتّبعها
عثمان مع الصحابة ، وإن كنا سنوقف القارئ على بعضها لاحقا ،
ومن تلك السياسات التعسفية أنّه سيّر في سنة (33 ﻫ) نفرا من أهل الكوفة إلى
الشام ، وذلك لاعتراضهم على سياسة سعيد بن العاص في تفضيل قريش وجعله السواد
بستانا لقريش[110] .
كما
سيّر قبلها أبا ذرّ إلى الربذة[111] ، ومنع ابن مسعود من القراءة[112] ، وضرب
[110] قال الطبري في
تاريخه : إن الذين سيرهم عثمان إلى الشام كانوا تسعة نفر ، منهم : مالك الأشتر ، وثابت بن قيس ، وكميل بن زياد ، وصعصعة بن صوحان تاريخ الطبري 3 :
365 احداث سنة 33 ﻫ ،
والكامل في التاريخ 3 : 32 / أحداث سنة 33 ﻫ ، وأنظر الأغاني 2 : 167 -
[111] المعارف : 195 ، المستدرك على الصحيحين 3 :
52 ح 4373 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 172 / باب أيام
عثمان بن عفان ، تاريخ الإسلام 2 : 632 ، 3 : 407 ، 411 ، سير أعلام النبلاء 2 : 57 ، 71 .
[112] سنن
الترمذي 5 : 285 / كتاب تفسير القران باب سورة التوبة / ح 3104 ، أخرج عن الزهري ، قال : أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن
عتبة : أنّ عبدالله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف ، فقال : يا معشر المسلمين أعُزل نسخ كتابة
المصحف ويتولاها رجل ،
والله لقد أسلمت أنّه لفي صلب رجل كافر ، يا أهل العراق اكتمو المصاحف التي عندكم فإن الله يقول: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فالقوا الله بالمصاحف . قال الترمذي
: حديث حسن.