مؤكّدين
بأنّا نعتقد أنَّ مناقشة النصوص والوقوف على الحقيقة ،
ضرورة علميّة ينبغي متابعتها في جميع الأخبار التاريخيّة ،
وأنَّ طرح رأي أو ترجيح آخر عليه في مثل تلك الدراسات لا يُعاب عليها الباحث ، إذا الأدلّة هي التي تلزمه الاخذ او الطرح أو الترجيح .
أمّا
تصوّر ذلك عند المؤرّخين ـ كما رأيناه عند الطبريّ وابن الأثير وذكرهم لخبر
العاذرين لمعاوية في نفيه لأبي ذرّ مع وجود أخبار أُخرى ،
أو استبعاد ابن الأثير صدورها مع تواتر النقل فيها[1049] ، أو كراهة خليفة بن خياط ذكر اسم الجماعة الذين اسروا مع حمران بن
ابان[1050] فنراه هو القبح بعينه ، لأنّهم مؤرّخون ، والمؤرّخ من شأنه أن لا ينحاز في نقله للأحداث إلى جهة دون أخرى أو
يكتم ما وصل اليه من وثيقة أو سند .
هذا
وإنَّ رسالة من بالمدينة من أصحاب محمّد إلى من بالآفاق ،
ورسالة المهاجرين إلى مَن بمصر من الصحابة ،
وكلمات الصحابة ومواقفهم من إحداثات عثمان ،
والتقرّب بدمه إلى الله ، وغيرها إنّما يعضد بعضها البعض ويرجّح ما توصّلنا إليه من أنّ الثورة على
عثمان بن عفان كانت تستبطن أمراً دينيّا ، وأنّه قتل لإحداثاته
تلك ، وإن كنّا لا ننكر ما للدوافع الماليّة والاقتصاديّة من دور في الأمر .
علما
بأنّه لم يَقُل أحد في سبب قتل عمر بن الخطّاب أو على بن أبي طالب إنَّه كان بسبب
إحداثهما ، بل نرى المسلمين يبكون عليهما ويشيّعونهما ويصلّون عليهما ويوارونهما
التراب بحزن وأسى ، وقد ألقوا القبض على قتلتهما ،
ولم ترهم يفعلون
[1049] أنظر : قول ابن
الأثير في الكامل في التاريخ 3 : 100 / باب ذكر تسيير أبي ذر إلى الربذة .