وبهذا
عرفنا : أنّ الحركة العلميّة في العهد العبّاسيّ لم تكن خالصةً لنشر العلم والدين ، بل كانت تستبطن أمرا سياسيّا كذلك ،
وأن دور الخلفاء وسعيهم لاحتواء الفقهاء والمحدّثين والقرّاء والشعراء كان ملحوظا فيه الجانب السياسيّ وتطبيق الأهداف التي ترسمها الحكومة
في الشريعة .
النفس الزكيّة
والمنصور
إنّ
استفادة الحكّام من الشريعة لمصلحة الحكم والنظام لم تكن وليدة ساعتها ، بل هي خطّة رُسِمتْ أُصولها وبذرت نواتها في أواخر عهد الشيخيين ، وأثمرت في العهد الأمويّ وأينعت في العهد العبّاسيّ ؛ ومن يقرأ رسالة
محمّد (النفس الزكيّة) إلى المنصور يؤمن بأنَّ النزاع بينهم كان في المفاهيم
الدينية ، وأنّ محمّدا كان يدّعي أنَّه أحقّ بالأمر ،
لأنّه هو من الآل ، فقد جاء في جواب محمّد (النفس الزكيّة) على رسالة المنصور التي أعطاه
فيها الأمان :
(فإنّ
الحقّ حقّنا ، وإنّما ادّعيتم هذا الأمر بنا ،
وخرجتم له بشيعتنا ، وحظيتم بفضلنا ، وإنّ أبانا عليّا كان الوصيّ، وكان الإمام ، فكيف ورثتم ولايته وولدُه أحياء ؟) .
ثمّ
افتخر على المنصور بانتسابه إلى فاطمة بنت رسول الله ،
وإلى خديجة أُمّ المؤمنين ، وإلى الحسن والحسين سبطي رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم -
وسَخِرَ
من الأمان الذي عرضه المنصور عليه ؛ إذ عَرف بأنّ المنصور ينكُثُ العهود والمواثيق ، لأنّه كان قد أعطى البيعة لمحمّد بن عبدالله مرّتين ثم نكث بها ، إحداهما بمكّة في المسجد الحرام ،
والأُخرى عندما خرج من بيته آخذا المنصور