والأقوال
عند جميع الأطراف ؛ كي نتجاوز النظرة من زاوية مذهبية محدودة ، وننطلق من الإطار المقيّد إلى عالم أَرحب ؛ إذ أَنَّ النظرة الضيّقة
وعدم الانفتاح يوصدان أَبواب التفاهم وتلاقح الأفكار ،
وبالنتيجة تحرمنا من قطف ثمار الاتصال بالآخرين والحوار معهم .
والآن
بين أيدينا أمر عبادي مهم سنسلِّط الضوء عليه ليتَّضح لنا مدى عمق جذور الاختلاف
وماهيَّته في مصداق واحد ، ومن خلاله ربَّما تظهر ملامح صورة الاختلاف في كثير من الأحكام
الشرعية : وهي دراسة كيفيّة «وضوء النبيّ0» .
فكيف
وقع الخلاف بين المسلمين في هذا الأمر المهم ؟!
ولِمَ
أخُتلف في مثل الوضوء ، ذلك الفعل الذي كان يؤدِّيه النبيّ 0 لعدّة مرّات في اليوم على مدى ثلاث وعشرين سنة ، بمرأىً من المسلمين .
الوضوء
الذي أَ كَّد عليه النبيّ وجعله شـرطا للصلاة التي هي عمود الدين ؛ فقال : «لا صـلاة إلَّا بطهور»[40] ، وقال أَيضاً : « الوضـوء شطر الإِيمان»[41] ؟!
إذاً
فالوضوء أَمر عباديّ ، مارسه الرسول بمحضر المسلمين ثمَّ اتّبعوهُ بعد التعلّم العمليّ
والبيان القوليّ منه ، وهو لم يكن بالأمر الخفيّ ، ولا بالتشريع المؤقّت
المختصّ بفترة زمنيّة دون أُخرى ، حتَّى تطمس معالمه ، وتخفى ملامحُهُ بحيث يصل الحال إلى الاختلاف فيه .
[40] صحيح مسلم 1 : 204 كتاب
الطهارة ، باب وجوب الطهارة للصلاة / ح 224 عن
ابن عمر ، سنن أبي داود 1 : 16 / باب فرض الوضوء
/ ح 59 عن أبي المليح عن أبيه ، سنن ابن ماجة 1 : 100 /
باب لا يقبل الله صلاة بغير وضوء / ح 271 عن أسامة بن عمير الذهلي ، والمتن منه .
[41] سنن
الترمذي 5 : 535 كتاب الدعوات الباب 86 / ح 3517 ، سنن النسائي المجتبى 5 : 5 / باب وجوب
الزكاة / ح 2437 ، سنن
ابن ماجة 1 : 102 / باب الوضوء شطر الإيمان .