فإِن
كان الأمر كذلك ، فما هي دواعي الاختلاف فيه ؟ وما هي حقيقة البيان النبويّ
الشريف لهذه المسألة المهمّة ؟
للإِجابة
عن هذين السؤالين وغيرهما ؛ نقول : لابدّ من تنقيح البحث بشكل دقيق يخضع للمنهج العلميّ الحديث ، وإخضاع جميع ما ورد بهذا الشأن للدقّة والتمحيص ، وهذا ما سنحاول القيام به في دراستنا ،
للكشف عن أُمور غامضة تداخلت في هذه العبادة ،
وجعلتها مثارا للأخذ والردّ ؛ فنقول :
اختلف
المسلمون تبعا لاختلاف الصحابة في نقل وبيان وضوء رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على نحوين ونهجين رئيسيّين[42] ، وكان لكلٍّ منهما ـ على ما وصل إلينا من السلف ـ أَتباع وأَنصار ، من صحابة وتابعين لهم ، ثمّ ائمة ومذاهب
يذودون عمّا يرتؤون ، ويقيمون الأدلَّة والبراهين على ما يذهبون إليه .
ولكن
قبل الخوض في غمار البحث ، ومناقشة الأدلَّة ومدى حجِّيَّتها ،
لابدَّ من التمهيد للموضوع بمقدّمة نبحث فيها تاريخ الاختلاف وأَسبابه ودواعيه ، بادئين ذلك بوضوء المسلمين في الصدر الإسلاميّ الأَوَّل ومن خلاله
نبين جذور هذا الاختلاف .
[42] يتلخص النهجان في وضوء
المذاهب الأربعة ، ووضوء الشيعة الإمامية ، فأحدهما يغسل رجليه واعضاء
الوضوء ثلاثاً ، وقد يجيز اخذ الماء لرأسه .
والآخر يذهب إلى لزوم مسح القدمين ومن يرى توضّأ مرّتين أعطاه الله
كفلين ويذهب إلى كون الغسلة الثالثة في الوضوء بدعة ، ولا يجيز أخذ الماء لرأسه
لأنّه يلزم من ذلك سقوط حكم المسح أصلاً من الآية لكونه أصبح غسلا .