اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 922
الموقفُ الشرعي في حال تعارض الأمارتين
الإحتمالات الثبوتيّة
في حال التعارض المستقرّ بين الأمارتين هي : الترجيح أو التخيـير أو التساقط ، وإذا قلنا بالتساقط
فإنّ الوظيفة العمليّة هي وجوب الإحتياط .
فمثلاً في حال تعارض
الأمارتين المتساويتين من جميع الجهات يحكم العقلُ بتساقط كلتا الأمارتين ، كما لو
أخبرتـنا بَـيِّنةٌ بكون اتّجاه القبلة من هنا ، واخبرتـنا بَـيِّنةٌ اُخرى بكونها
إلى الجهة الثانية ، ففي هكذا حالة تـتساقطان .
وقولُنا (يتساقطان)
لا يعني أنّ كلتا الأمارتين كاذبتان ، لا ، وإنما يعني عدمَ إمكانِ تصديقهما
جميعاً ، وهذا لا يمنع من وجود اطمئـنان ـ في أكثر الأحيان ـ بصدور إحدى الأمارتين
، ولذلك ترى العلماء يقولون بنفي المدلول الثالث ، وليس ذلك إلاّ لاطمئـنانهم ـ في
أغلب الأحيان ـ بصدور إحدى الأمارتين ممّا يعني نفْيَ المدلولِ الثالث .
ثم اعلمْ أنّ العقلَ
لا يستطيع أن يُدرِكَ كلّ ملاكات الأحكام دائماً ، فمثلاً : في حال تعارض خبرين
لثقتين فهل نقول ـ في المرحلة الاُولى ـ الحكمُ ما حكم به أعدلُهما وأفقهُهما
وأصدقُهما في الحديث وأورعُهما ، ولا يُلتـفت إلى ما يَحكُمُ به الآخَرُ ـ كما في مقبولة عمر بن
حنظلة ـ أم نقول خُذْ
بما اشتهر بين أصحابك ودعِ الشاذَّ النادرَ ـ كما في مرفوعة زرارة الآتية ـ ؟
العقلُ لا يمكن أن يدرك ذلك ، ولذلك يَرَى العقلُ نفسَه قاصراً أو جاهلاً بالموقف اللازمِ
اتّخاذُه ، ومن الجهالةِ القولُ بأنّ العقل يحكم ـ في حال التعارض بين الأمارتين
السالفتَي الذكر ـ بالتخيـير بـينهما ، وإنما ترى العقلاءَ يقولون ـ مع أدنَى شكّ
ـ بأنّ علينا أن نقول بأصالة عدم حجيّة الأمارتين في حال التعارض ، وأنْ نَعمَلَ
بالإحتياط ، لأنّ الشكّ في الحجيّة يقتضي عدمَ إمكانِ القول بالحجيّة ، مع أنّ
الأخبار تقدِّمُ أحدَهما في أغلب الحالات ، لذلك لن نبحث كثيراً في حكم العقل في
أبحاث التعارض ، لأنّ عقلَ الإنسانِ ـ كما قلنا ـ غالباً لا يَعرفُ هل يجب أن نحكم
بالترجيح أو بالتخيـير أو بالتساقط ، فلعدم الفائدة في البحث العقلي غالباً ، لن
نـتلِفَ أعمارَنا ، ولذلك سوف نـنظر فيما يفيدنا وهو الموقف الشرعي ، أي سوف يكون
اهتمامنا بالأدلّة الشرعيّة وما علّمنا إيّاه الشرعُ الحنيف في حالات التعارض ،
وفي الطريق نـتعرّض قليلاً للحكم العقلي إذا اقتضى الأمرُ وهي موارد قليلة وواضحة
جدّاً فنقول :
لا شكّ أنّ الحكم الشرعي والعقلي في حال تعارض الأمارتين يخـتلف باختلاف الحالات :
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 922