اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 888
المثال الأوّل : قد يكونُ عندنا
مطلقٌ أزماني مثل [اَوْفُوا] في قول الله تعالى [اَوْفُوا بِالعُقُود] وتخصيصٌ
مِثلُ (الغَبنُ[894]
حرامٌ
لأنه إضرار بالمسلم ، سواءً كان المغبونُ البائعَ أو المشتري) ، فافرض ـ مثلاً ـ
أنّ زيداً اشترى من عَمرو سيارةً بألفَي دينار الساعة العاشرة صباحاً ، وبعدما ذهب
زيدٌ بالسيارة صادف بعضَ الخبراء الساعةَ الثانية عشر ظهراً فنظروا إلى خصوصيات
السيارة فقيّموها بألف وخمسمئة دينار ، فكان اللازم على زيد أن يَرجع إلى عَمرو
فَور عِلمِه بالغَبن ، وله بنظر العرف ساعةٌ واحدة بعد معرفته بالغَبْنِ ، ويَشكّ
الخبراءُ في أنه هل له خيار الغبن في الساعة الثانية أو ليس له هذا الخيار ، لكن
حتماً في الساعة الثالثة ليس له هذا الخيار عند العرف ، لأنهم جيران ، وليس هناك
مانع من إرجاع السيارة فوراً . لكنْ تلكّأ زيدٌ في رجوعه ، وذهب إلى عمروٍ في
الساعة الواحدة والنصف ـ وهي على فرْضِنا ساعةُ الشكِّ في بقاء خيار الغبن ـ فقال
لِعَمرو أن يعطيه مقدارَ الغبن أو أن يردّ السيارةَ ، فأجابه عَمروٌ بأنه "قد
كان لك حقُّ الخيار في الساعة الأولى ، وأمّا في هذه الساعة الثانية فإنّ الناس
يشكّون في بقاء حقّ الخيار ، وأنا لا أريد الفسخَ ولا إعطاءك مقدار الغبن ، ودليلي
على هذا الحقّ هو لزوم الرجوع إلى إطلاق قوله تعالى [اَوْفُوا بِالعُقُودِ]"
الذي خرج منه خصوصُ الساعة الأولى كقدرٍ متيقَّن ! فأجابه زيدٌ بأنّ "لي أن
أستصحب بقاءَ خيار الغبن في الساعة الثانية المشكوكة" ! فما هو موقفك أنت ؟
هل تقول : لا يُستصحَب هذا
الحقُّ ، لأنّ المقدار المتيقَّن هو الساعة الاُولى ـ مثلاً ـ بعد ظهور الغَبن ،
والزائدُ عن مقدار الساعة الأولى لا عِلْمَ لنا بثبوت خِيار الغَبن فيه ، أو قُلْ
: إنخدش
الركنُ الثاني من أركان الإستصحاب لتغيُّرِ الظروف أو قُلْ لِتَعَدُّدِ الموضوعِ ، فلا يجري استصحابُ
بقاء خِيار الغَبن في عالم الجعل ، وذلك لاحتمال تغيُّرِ الحكمِ في الساعة الثانية
، بل لو بقي نفسُ نوع الحكم بعد انـتهاء الفترة العرفية لكان حُكماً ثانياً ،
ولذلك نقول "لا يكون له خِيارٌ في الساعة الثانية" . بل حتى على المستوى
العقلائي ترى العقلاءَ يرفضون إعطاءَه الخِيارَ إلى الأبد إذا كان عارفاً بالغَبن
، وإنما يحدّدون له حقَّ الخيار بالمقدار المتعارف المتيقَّن ، ثم يَرجعون إلى
الإلزام العرفي ، ونحن أيضاً نقول بأنّ الأصل هو عدم الخيار إلا بالمقدار المتعارف
، وبعد ذلك ـ أي في فترة الشكّ بـبقاء الخيار ـ نرجع إلى [أَوْفُوا بالعُقُودِ] ،
وأمّا الإستصحاب فإنه يكون في عالم الشبهات الموضوعيّة فقط . ولذلك يتعيّنُ علينا
ـ بعد انـتهاء الساعةِ الأولى ـ الرجوعُ إلى الإطلاق الأزماني لـ [اَوْفُوا] في
قول اللهِ [اَوْفُوا بِالعُقُودِ] ، ولكنْ ليس
[894]
الغَبن هو بفتح الغين ، ولم أرَ الغُبن بضمّ الغين في كتب اللغة . والغَبن هو بمعنى
الخداع .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 888