responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 860

 

وقبل الجواب على السؤال يجب القول بأنّ مرادنا من النسخ هو رفْعُ حُكْمِ الآية بسبب الظروف الجديدة ، أو بسبب انـتهاء أمد الآية ، لكنْ لِجَهْلِنا نحنُ بأمَدِ حكم الآية نُسَمّي رفْعَ حُكْمِ الآية بآية أخرى نسخاً ، وإلاّ ففي حالة انـتهاء أمد الآية فهذا لن يكون نسخاً ، لا بل حتى في حالة تغيُّرِ الظروف هذا لن يكونَ نسخاً ، وإنما هو موضوع جديد له حكم جديد ، لذلك نقول : النسخُ هو نَسْخٌ ظاهري لا واقعي[835].

بعد هذه المقدّمة نقول : نعم ، لا شكّ في أنه يصحّ استصحاب بقاء أحكام الشرائع السابقة ، للعَمَلِ بها ، وذلك :

1 ـ لأنّ أحكام الشرائع السماويّة هي المناسبة ـ عقلاً وتكويناً ـ لموضوعاتها ، ولا يفرق الحال بين كون الإنسان يعيش في الكهوف ويركب الدوابّ كما كان منذ مئات السنين وإلى يومنا هذا في بعض الأدغال الأفريقيّة ، أو يعيش في القصور ويركب السيّارات والطيّارات ، وذلك لأنّ القوانين تـنزل لتعالج أمور الإنسان من حيث هو إنسان ومن حيث هو عبدٌ لله سبحانه وتعالى ، فترى اللهَ تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم [يا أيّها الإنسان] و [يا أيّها الناس] فهو يخاطب الناس ، كلَّ الناس ، أينما كانوا وكيفما كانوا ، ولذلك لا ترى في القرآن الكريم آيةً ولا رواية صحيحة واحدة تشير إلى وجود تغاير بين شرائعهم وشريعة الإسلام الحنيف إلا نادراً .

2 ـ إنكّ ترى من خلال القرآن الكريم أنّ نبي أيّ اُمّة هو نبي لك أيضاً في كلّ ما يقوله ، فهم صراط واحد ونور واحد ، يدلّ على ذلك قولُه تعالى [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَوَالْحُكْمَوَالنُّبُوَّةَ ، فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْوَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)] [836]فإنّ اللهَ تعالى يأمرنا بالإقتداء بهديهم i،


[835] إلا أن تقول بكون بعض النسخ هو من باب البداء والمحو كما في قولهالآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ، فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئـتيْنِوَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ، وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] (سورة الأنفال ـ 66) على أساس أنّ معناها أنّ الواجب تعالى الآن علم بأنّ فيكم ضَعفاً .

[836] سورة الأنعام .

ملاحظة تاريخية : ورد في الروايات أنّ بني هاشم كانوا على دين الحنيفية ، ولم يكونوا على دين موسى أو عيسى عليهما الصلاة والسلام ، والمظنون قوياً أنّ السبب في ذلك هو كيلا يقال إنّ محمداً (ص) ارتدّ عن اليهودية أو النصرانية وإنه خارجيّ ونحو ذلك . ويظهر من كونهم على دين ابراهيم الخليل (ع) أنّ التعبّد بدِينه كان جائزاً في زمانهم قبل الإسلام ، وأنّ موسى وعيسى (ع) بُعِثا بدينٍ لخصوص بني إسرائيل ، قال [وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ : لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)... يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)] (سورة البقرة) وقال [وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْـنَا مِنْهُمُ اثْـنَيْ عَشَرَ نَقِيـباً] وقال تعالى عن نبـيِّه عيسى (ع) [وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ] (آل عمران ـ 49) [وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْـتَهُمْ بِالْبـَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)] (سورة المائدة) ، ولا مانع شرعاً أن يتّبعهما سائرُ الناس في زمانهم ، ولكن هذا ليس بواجب ، فقد كان لهم أن يَدِينوا بدِين إبراهيم (ع) . ويمكن الإستـئـناسُ لذلك أيضاً بقوله تعالى [ ... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ] وبقوله [مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ، وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)] وإنما قال [مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيّاً] كي لا يقولوا إنّ إبراهيم كان يهودياً وأنه منهم وأنهم الأصل في الأديان ، وكأنّ الله تعالى يريد من وراء ذلك أن يقول "وما كان محمد يهودياً ولا نصرانياً" ، قال ابن بابويه : حدثـنا أحمد بن محمد الصائغ : ثنا محمد بن أيوب عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد وعلي بن عبد الله عن الربـيع بن محمد المسلي عن سعد بن طريف (ظريف ـ خ ، وهو صحيح الحديث ، ين قر ق) عن الأصبغ بن نباتة (كان من خاصّة أمير المؤمنين (ع) ، وهو مشكور) قال : سمعت علياً (ع) يقول : واللهِ ما عَبَدَ أبي وجدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط ، قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يُصَلّون إلى البـيت على دين إبراهيم متمسكين به .

اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 860
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست