responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 850

 

وأمّا المانعُ الثاني فإنّ المولى تعالى إنما اعتبر اللوازمَ العقليّة لمؤدّى الأمارات حجّةً لأغلبـيّة موافقة الأمارات للواقع ، ولأنّ الإخبار عن شيء ـ كقطع رأس زيد ـ إخبارٌ عرفاً عن لوازمه أيضاً ـ وهو هنا موتُ زيد بقطعِ الرأسِ ـ ، فحينما يَعتبر الشارعُ المقدّس الأمارةَ حجّةً فإنّ العرف يَفهم من ذلك أنها حجّةٌ فيما تكشف عنه ، وهي تكشف عن مدلولَيها المطابقي والإلتزامي بنفس القوّة ، وحينما ينزِّل المولى تعالى مؤدّى الأمارةِ منزلةَ الواقع وينزّل الظنَّ الحاصلَ منها منزلةَ العِلم فإنّ العرف يَفهم من ذلك تـنزيلَ لوازمِها العرفيّةِ والعقليّة أيضاً منزلةَ الواقعِ ... وقد ذكرنا آيةَ النبأ والرواياتِ الصحيحةَ الدالّةَ على ذلك سابقاً بتـفصيل ، وليس الأمر في الإستصحاب كذلك ، فإنه من المستبعَد أن يوافق مؤدّى الإستصحابِ الواقعَ غالباً كما كان الحالُ في الأمارات ، كما أنّ الإستصحابَ تعبُّدٌ محض ، لا كاشفيّةَ فيه ـ كالأمارات ـ كي يقال بأنّ التعبّد بالمستصحَب ـ كالتعبّد بطهارة اللحم المطروح في الصحراء ـ تعبّدٌ بلوازمه ـ ككون الحيوان مذكّى ـ إذن فيجوز الأكلُ منه !! وكالتعبّد بـبقاء حياة زيد فإنه لا يُثْبِتُ ـ عقلائيّاً ـ نباتَ لحيتِه ولا شَيـبَها ، وإنما يترتّب على بقائه حيّاً بقاءُ الزوجيّة وحرمةُ تقسيم ماله ، ولذلك يَستبعَدُ الناسُ تشريعَ حجيّة الإستصحاب في لوازمه العقليّة ممّا يصرف أدلّةَ الإستصحاب عن الحجيّة في اللوازم العقليّة .

على أنّا ندرك بالوجدان عدمَ وجود تـنزيلٍ مطلق في الإستصحاب ، وذلك كما كان الحال في مؤدّى الأمارة ، فلو كنّا قد توضّأنا بماءٍ كنّا قد استصحبنا طهارته ، وبعد الصلاة علمنا بأنه كان متـنجّساً ، فإنّ علينا أن نطهّر أنفسنا ونعيدَ وضوءَنا وصلاتـنا ، وذلك لأنّ المطلوب في شرط الصلاة هي الطهارة المعنوية الواقعيّة ، لا الأعمّ منها ومن الظاهريّة ، والإستصحابُ لا يُثبِتُ إلاّ وظيفةً عمليّة ظاهريّة فقط ، لا واقعيّة ، وكذلك كان الأمر في الأمارات ، فإنه لا يقوم مؤدّى الأمارة مَقام الواقع مطلقاً أي حتى في قضيّة الإجزاء ، فلو دَلَّتـنا البَـيّنَةُ العادلة إلى جهة القبلة ثم تبَـيَّن لنا ضِمنَ الوقتِ أنّها كانت مخطئة وأنّا كنّا مستدبرين للقبلة كان علينا أن نعيد صلاتـنا ، نعم إن علمنا خارج الوقت فلا يجب الإعادة على ما هو المعروف ، إذن لم ينزَّل مؤدّى الأمارة منزلةَ الواقع مطلقاً أي حتى مع تبَـيُّنِ خطئِها .

لا بل إنك ترى من نفسك أنك تأبَى أن تـفهم من أدلّة الإستصحاب أنـنا يجب أن نستصحب بقاءَ زيد ـ في المثال السابق ـ في مكانه لنُـثْبِتَ (بقاءَه في مكانه عند وقوع الجدار) فنُـثْبِت بالتالي (وقوعَ الجدارِ عليه) !! وبالتالي يَثبت (طحن عظامه) !! وبالتالي يَثبُتُ (موتُه بذلك الوقوع) !! هذا الإستهجانُ العقلائي هو المانع الثاني من قبول وجود إطلاق في أدلّة الإستصحاب .

ويكفينا أن نقول بأنـنا لا نعلم بحجيّة اللوازم العقليّة للمستصحَب ، بل نستبعده جداً ، والأصلُ عدمُ الحجيّة .

اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 850
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست