اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 812
فناء أحد الإناءين غيرُ كاف عقلاً
لجواز شرب الإناء الباقي أمامنا ، فإنّ التـنجيز يـَبقَى ـ بحُكْمِ العقل ـ بلحاظ
هذا الإناء الباقي أمامنا ، وبلحاظ الصلاة التي لم نُصَلّها ، لأنه يَشُكّ هل أنه
امتـثل الفرد الواقعي أم لا ، ويَحتمِل عدمَ امتـثال الواجب الواقعي ، ولك أن
تعبّر عمّا نقوله من بقاء التـنجيز عقلاً بأصالة الإشتغال أو بأصالة عدم الإمتـثال
، وهي أصول عقلية معلومة عند كلّ الناس ، والعقلُ يحكم بلزوم تحصيل العلم بحصول
الإطاعة ، وكلامنا لا يدخل في استصحاب الكلّي بحال ، وإنما كلّ النظرِ هو إلى
الواجب الواقعي المعيّن عند الله تعالى ـ وليس إلى الكلّيّ ـ هل حقّقناه أم لا ؟
وفي مثال الآنية : لا يجوّز لنا العقلُ ارتكابَ الإناءِ الباقي أمامنا قطعاً ،
لأنه أحدُ طرفَي الإناءين المتـنجّسُ أحدُهما قطعاً .
وبتعبـيرٍ آخر ، من الخطأ
القولُ باستصحاب التـنجّز ، وإنما يجب الإتيان بالصلاة الثانية من باب احتمال كون
الواجب الواقعي هي الصلاة غير المأتيّ بها ، ويحرم عقلاً شربُ الإناء الباقي
أمامنا من باب احتمال كونه هو الإناءُ المتـنجّس واقعاً ، لا من باب استصحاب التـنجّز
أصلاً ، وذلك لما تعرفه منّا من عدم جريان الإستصحاب في الأحكام ، وإنما يجري
الإستصحاب في الموضوعات فقط كما في استصحاب عدم الإمتـثال ، فهو استصحاب موضوعي ،
لا حُكْمي ، فنحن نستصحب عدمَ سداد الدَّين المشكوك بأدائه ، ونستصحب عدمَ أداء
كلّ صلوات القضاء طالما عندنا شكّ بانـتهائها ، وهكذا ، ولذلك يجب الإتيانُ
بالصلاة الثانية من باب بقاء العلم الإجمالي حقيقةً وعدمِ فنائه بمجرّد امتـثال
صلاة واحدة من الصلاتين ، فأنت ـ بعد امتـثال صلاة واحدة فقط من الصلاتين ـ أنت لا
محالةَ سوف تشكّ في سقوط التكليف ، فيأمرك عقلُك بلزوم الإتيان بالصلاة الثانية
لتعلم بسقوط التكليف عنك .
وأنت
إذا طرحتَ على عقلك السؤالَ التالي : لو اغتسل شخصٌ من الجنابة ، ثم بعد يومين رأى في ثوبه
منيّاً منه ، وتردّد في كون هذه الجنابة هي نفس الجنابة السابقة التي اغتسل لها أو
هي جنابة غيرها حصلت بعد الجنابة السابقة ، فهل يجب عليه الإغتسال أم لا ؟ ومِثلُه
ما لو كان الحدث الأصغر بين الوضوءين ، فالوضوء الثاني باق ، وكلي الطهور باق ،
وإن كان الحدثُ بعد الوضوءين فالطهارةُ منـتـفية ، فيدور الأمر في منشأ الشك بين ما
هو المرتـفع قطعاً ، أو هو الباقي قطعاً ، وحيث يشك في ذلك يلزم الشك في بقاء كلي
الطهور .
فإنك لا محالة ستجيب
بالجواب التالي بالبديهة : لا شكّ أنّ هذا العلم الإجمالي غير منجّز عقلاً ، إذ لا
وضوح في كونه منجّزاً ، لأنّ إنشاءه يكون كالتالي : "هل أجنب بعد تلك الجنابة
أم لا ؟" الأصلُ العدمُ ، ومع الوسوسة فلك أن تُجريَ البراءةَ ، ولا يصحّ أن
تقول "يُستصحَب كلّيُّ الحدث الأكبر" كما
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 812