responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 796

 

* * * * *

2 ـ جريان الإستصحاب في الكلّيّات

مقدّمة البحث :

الكلّي ثلاثة أقسام : منطقي وعقلي وطبـيعي ، المنطقي هو عبارةٌ عن مفهوم الكلّي ، والكلّي الطبـيعي هو الذي له مصاديقُ في الخارج ، فالكلّي الطبـيعي للإنسان ـ مثلاً ـ هو المفهوم الجامع للناس فهو إذن موجود في الخارج في مصاديقه لأنه عبارة عن الجامع لذاتيات الإنسان ، لذلك قيل هو موجود في الخارج بوجود مصاديقه ، وباعتبار أنه مفهوم جامع بين صور المصاديق فهو معقول ثانوي[794] ،


[794] في مقابل المعقولات الأوّلية كصُوَرِ زَيدٍ وعَمْرو ، فأنت إنما تدرك صُوَرَ الموجوداتِ الخارجية ولا تُدركُ حقائقَها ، أو قُلْ : أنت أوّلَ ما تدرِكُ في ذهنك هو الصور الذهنية للموجودات الخارجية ، فهذه الصور هي المعقولات الأوّلية ، ثم تـنظر إليها ككلّي جامع بين مصاديقها ـ أي مع غضّ النظر عن خصوصيات أفرادها الخارجية ـ يقول الله [إنّ الإنسانَ لفي خُسْرٍ] وتقول (الإنسانُ خيرٌ من الأسد) وذلك مع غضّ النظر عن زيد وعَمرو ، فيكون هذا المُدرَكُ الثاني معقولاً ثانياً ، وهو الكلّي الطبـيعي ، لأنّ مراد الله تعالى أن يقول إنّ الإنسان الخارجي لفي خسر ومرادُك أنت أن تقول بأنّ الإنسان الخارجي خيرٌ من الأسد الخارجي . أمّا لو نظرتَ إلى الإنسان كمعقول بقيد الكلّية فإنه لن يكون له مصاديقُ في الخارج ، كالإنسان النوع والحيوان الجنس في قولنا (الحيوان جنس وأنواعُه الإنسان والأسد والفرس) ، ولذلك نقول بأنّ كلّ معقول كلّي لا يوجَدُ له مصداقٌ في الخارج يكون كليّاً عقلياً كالإنسان النوع ، لا كالزوجية والفوقية والتحتية والمعنى الحرفي ، فإنّ هذه مفاهيمُ ذهنيةٌ غير كليّة ، فليس كلُّ ما لا موطنَ له إلا العقل بكلّي عقلي ، وإنما الكلّي العقلي هو مجموع وصف الكلي ومعروضه كـ (الإنسان النوع) و (الحيوان الجنس) في قولنا (نوع الإنسان هو من جنس الحيوان وهو ناطق) فـ (الإنسان النوع) هنا هو كلّي عقلي بحت أي لا مصداق له في الخارج ، و (الحيوان الجنس) هو أيضاً كلّي عقلي بحت ، ولكنهم للإختصار حذفوا كلمتَي نوع وجنس فقالوا (الإنسان حيوان ناطق) .

ومن هنا تعرف عدمَ الدقّة التي وقع فيها الشيخُ محمد رضا المظفّر حيث قال في كتابه (المنطق) : "إذا قيل : الإنسان كلي ـ مثلاً ـ فهنا ثلاثة أشياء : ذات الإنسان بما هو إنسان ، ومفهوم الكلي بما هو كلي مع عدم الإلتفات إلى كونه إنساناً أو غيرَ إنسان ، والإنسانُ بوصف كونه كلياً ، أو فقُلْ : الأشياء الثلاثة هي : ذات الموصوف مجرَّداً ، ومفهومُ الوصف مجرداً ، والمجموع من الموصوف والوصف .

1 ـ فإنْ لاحَظَ العقلُ نفسَ ذات الموصوف بالكلي مع قطع النظر عن الوصف ، بأن يعتبر الإنسان ـ مثلاً ـ بما هو إنسان من غير التفات إلى أنه كلي أو غير كلي ، وذلك عندما يُحكَمُ عليه بأنه حيوان ناطق ، فإنه ـ أي ذاتَ الموصوف بما هو عند هذه الملاحظة ـ يسمى "الكلي الطبـيعي" ويُقصد به طبـيعة الشيء بما هي . والكلي الطبـيعي موجود في الخارج بوجود أفراده .

2 ـ وإن لاحظ العقلُ مفهومَ الوصف بالكلي وحده ، وهو أن يلاحظ مفهوم "ما لا يمتـنع فرض صدقه على كثيرين" مجرداً عن كل مادة مثل : إنسان وحيوان وحجر وغيرها ، فإنه ـ أي مفهوم الكلي بما هو عند هذه الملاحظة ـ يسمى "الكلي المنطقي" . والكلي المنطقي لا وجود له إلا في العقل ، لأنه مما ينـتزعه ويفرضه العقلُ ، فهو من المعاني الذهنية الخالصة التي لا موطن لها خارج الذهن .

3 ـ وإن لاحظ العقلُ المجموعَ من الوصف والموصوف ، بأن لا يلاحظ ذات الموصوف وحده مجرداً ، بل بما هو موصوف بوصف الكلية ، كما يلاحظ الإنسانَ بما هو كلي لا يمتـنع صدقُه على الكثير ، فإنه ـ أي الموصوف بما هو موصوف بالكلي ـ يسمى "الكلي العقلي" لأنه لا وجود له إلا في العقل ، لاتصافه بوصف عقلي" (إنـتهى) .

فإنّ قولَهبأنْ (يُعتبَرَ الإنسانُ ـ مثلاً ـ بما هو إنسان من غير التفات إلى أنه كلي أو غير كلي) يَحمِلُ في ذاته التضادَّ ، إذ كيف يقول (كلّي) و (من غير التفات إلى أنه كُلّي أو غير كُلّي) ؟!

ثم يقول بعد ذلك مباشرةً (وذلك عندما يُحكَمُ عليه بأنه حيوان ناطق) مع أنّ قولنا (الإنسان حيوان ناطق) يكون النظرُ فيه إلى الإنسان بما هو نوع ، أي بما هو كلّي عقلي ـ لا بما هو كلّي طبـيعي ـ لأنّ نظرنا هنا إنما هو إلى الإنسان النوع ، نعم ، لو قلنا (الإنسان هو زيد وعمرو وبكر وحسن وحسين ...) لقلنا بأنّ (إنسان) هنا هو كلّي طبـيعي .

ثم قال(فإنه ـ أي ذاتَ الموصوف بما هو عند هذه الملاحظة ـ يسمى "الكلي الطبـيعي" ويُقصد به طبـيعة الشيء بما هي) ! مع أنّ هذه الجملة تحمل في ذاتها تضادّاً ، إذ كيف يكون كلّي طبـيعي ويكون النظر منه إلى طبـيعة الشيء بما هي ؟!

ثم قال (والكلي الطبـيعي موجود في الخارج بوجود أفراده) ! مع أنّ الكلّي لا يمكن أن يوجد في الخارج لأنه طالما هو كلّي فهو مفهوم ذهني ، وإنما الموجود في الخارج هي الطبائع وليس الكلّي الطبـيعي .

اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 796
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست