اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 78
ثم أنت تعلم أنه لا يمكن
أن يَحصل تـنافٍ وتعارضٌ بين الأصول العمليّة لأنّ لكلّ موردٍ حُكْماً معيّناً ،
فلا يُتصوّر بـينها تعارضٌ مطلقاً .
[ الأمارات والأصول ]
لا شكّ أنك تعلم أنه لم
يَرِدْ مصطلحا الأمارات والأصول في الشرع ، وإنما اصطلح العلماءُ على ذلك لأمرٍ
معلوم وواضح وهو أنّ العلماء لمـّا رأوا أنّ هناك بعضَ الأدلّة تكشف ـ إجمالاً ـ عن
الواقع غالباً ، وهناك أدلّةٌ لا تكشف عن الواقع غالباً وإنما جعلها اللهُ لعباده ليسيروا
على أساسها لأسباب وجيهة ، سمّوا الأولى أماراتٍ وسمّوا الثانيةَ أصولاً .
كما رأوا أنّ بعض تلك الأماراتِ
تَعبّدنا اللهُ تعالى بحجيّتها لكاشفيّتها عن الواقع غالباً ـ أي لإصابتها للواقع
غالباً ـ فوضعوا كلمةً تدلّ على حجيّتها فقالوا (أمارة معتبرة) .
كما ولاحظوا أنّ المولى
تعالى اعتبر اللوازم العقليّة للأولى حجّة دون اللوازم العقليّة للثانية .
فالأمارات إذن إمّا
معتبرة شرعاً ، وإمّا غير معتبرة شرعاً ، وسوف يأتي الحديث عنهما بالتـفصيل
وبالدليل في الكلام حول حجيّة خبر الواحد ، ونلخّص هنا المطلب بـبعض كلمات فنقول :
أمّا الأمارات الغير
معتبرة فهي التي لم تصلنا حُجيّتُها كخبر مجهول الحال ـ ومع الشكّ في الحجيّةِ الأصلُ
عدمُ الحجيّة شرعاً وعقلاً ـ أو وصلنا عدمُ حجيّتها ـ كالقياس ـ وهذه وجودها
كعدمها شرعاً ، وهذا أمر معلوم عند كلّ العلماء لأنّ الظنّ ليس بحجّة ... نعم قد تـفيدنا
بعضُ الأمارات الغير معتبرة كقرائن ومؤيّدات لا أكثر ، إلاّ إذا أفادتـنا العلمَ
في بعض الحالات كما في تراكم الأمارات الضعيفة حتى اطمأنـنا بصحتها أو بصدور بعضها
.
وأمّا الأماراتُ
المعتبرةُ فهي التي أعطاها الله الحجّيّةَ في مقام الجهل بالأحكام الواقعيّة ، وإنما
أعطاها الحجيّة لوجود كاشفيّة فيها ، ولأنها تصيـب الواقعَ غالباً ، وكأنّ الله
جلّ شأنه يقول لنا (إن كان عندكم علم بالأحكام الواقعيّة فاتّبعوها ، وإلاّ
فاتّبعوا الأمارات المعتبرة ، وإلاّ فاتّبعوا الأصول العمليّة) . ولذلك كانت الأمارات
هي التي تـقابل الأصولَ العمليّة ، وليست حجيّةُ أخبار الثقات هي التي تـقابل
الأصول العمليّة . وقد خَصّص علماؤنا اصطلاحَ (الأمارات) لمثل خبر الثـقة واليد
وسوق المسلمين ، أي التي أعطاها المولى تعالى الحجيّةَ لوجود كاشفيّة فيها بشرط
عدم إفادتها للعِلْمَ
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 78