اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 77
شرّع الأمارات ـ كما
في قاعدة اليد وسوق المسلمين والصحّة في عمل الغير ـ لأنها غالباً تصيـب الواقع ،
أي لمصلحة في نفس جعل الأمارة ـ لا في متعلقها أي لا في نفس التدخين وقراءة السورة
ـ وهذا هو ملاكها ، فإذن إعطاء الحجيّة للأمارات إنما هو لإدراك أغلب المصالح
الواقعية ، فاختلف مصبّ المصالح والملاكات في الأحكام الظاهرية عن مصبّ الملاكات
في الأحكام الواقعية ، فالأُولى مصبّ الملاك في تشريع الأحكام الظاهرية هو لإصابة
أغلب الأحكام الواقعية ، والثانية هو نفس متعلّق الأحكام الواقعية ، ولذلك قلنا
إنه لن يحصل تعارض في مرحلة الملاك أصلاً .
5 ـ وقد عرفت عدم وقوع تزاحم بين الحكمين
الواقعي والظاهري في مرحلة الامتـثال ، وذلك بعد معرفتك بتـنجيز خصوص مؤدّى
الأمارة دون الحكم الواقعي ، ولذلك لن يقع المكلّف في التزاحم بين وجوب قراءة
السورة مثلاً وبين حرمتها ، لأنه إنما عليه ـ مع الجهل بالحكم الواقعي ـ أن يتّبع
الأمارة ، فهي فقط ، المنجّزةُ عليه ويجب امتـثالها ، فإذن ليس هناك طلبٌ منجّز
للضدّين .
* وأمّا في الأصول
:
فيكفي أن تعلم أنّ
المولى تعالى إنما شرّع الاُصول العملية في المواضيع الغير مهمّة ، ذلك لأنها لو
كانت مهمّةً لَذَكَرَ لنا حُكْمَها الواقعي في الكثير من الروايات ولَجَعَلَها من
ضروريات الدين كما في الصلاة والصيام وحرمة الخمر والزنا ، ولكنه جلّ وعلا رأى أنّ
بعض الاُمور لا مشكلة فيما لو أجرى فيها الفقهاءُ البراءةَ كما في القنوت وجلسة
الإستراحة ونحو ذلك ، وإنما شرّع الاُصول العملية لبعض فوائد كالتسهيل على الناس ،
ولأنّ بعض الاُصول تـناسب الفطرة البشرية كما في الإستصحاب ، ولا تضرّ في دين الله
شيئاً ، وشرّع الاُصول في الموضوعات الخارجية للتسهيل أيضاً على الناس ، كما في
الفراغ والتجاوز وهكذا ... فتشريعها في الموضوعات الخارجية أمْرٌ لا بدّ منه ،
لأنه لا حلّ آخر .
ثم اعلم أنّ مؤدّى
الاُصول العملية هي منجِّزة فقط ، لنا وعلينا ، ولا تصير فعليةً بوجه ، وذلك لأنها
غير ناظرة إلى الملاك الواقعي وإلى الفعليّة الواقعيّة . وبتعبـير آخر : حينما
نكون جاهلين بالحكم الواقعي ، فكيف نعلم بالفعلية الواقعيّة ؟! فمثلاً : لو فرضنا
أنّ الأمارةَ قالت بوجوب جلسة الإستراحة لما كان هذا الوجوب معلوم الفعلية واقعاً
، وإنما نقول ـ كأقصى حدّ ـ هذا الحكمُ منجّزٌ علينا فقط .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 77