اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 760
نعلم أنّ المراد من اليقين المذكور
في الروايات السابقة هو اليقين الطريقي الآلي الكاشف عن إرادة ثبوت الحالة السابقة
بأيّ حجّة شرعيّة ، وليس لازماً أن تكون الحالةُ السابقة ثابتةً باليقين القطعي فقط
، أي أنه ليس اليقينُ المذكورُ في الروايات المرادُ منه اليقينُ الصفتي أصلاً ،
وإنما المراد هو الحجّة الشرعية .
إذن ، الركن الأوّل هو ـ في
الواقع ـ ثبوتُ الحالة السابقة بحجّةٍ شرعيةٍ ، كما يقول صاحب الكفاية[760] والسيد الشهيد الصدر[761] أيضاً ، بل لا أظنّ
وجودَ خلافٍ في هذا . وبتعبـير آخر : المرادُ من اليقين بالحالة السابقة في بعض
روايات الإستصحاب هو الدليل والحجّة الشرعيّة ، فتعبّدَنا المولى تعالى ـ إن ثبتتِ
الحالةُ السابقة بدليل شرعي ـ بـبقائها ، وكأنه تعبّدنا بالملازمة ـ ظاهراً ـ بين الحدوث
والبقاء ، إلاّ أنّها ليست ملازمةً تكوينيّة أو عقليّة ، كالملازمة السبـبـية بين العِلّة
ومعلولها ، التي هي أمْرٌ تكويني ، لا يمكن التعبّد به شرعاً ، وإنما هي ملازَمةٌ
تعبّديّة ، بمعنى أنه إن كان الحدوث منجَّزاً علينا ، كان البقاء منجَّزاً ظاهراً
وتعبّداً .
وحتى لو قلنا إنّ الظاهر من اليقين
في سائر الروايات هو اليقين الصفتي فخبرُ الثقة ـ كما قلنا سابقاً ـ يقوم مقام
اليقينِ الصفتي شرعاً ، فهو يحقّق فرداً من أفراد اليقين ، شرعاً وتعبّداً ، ولذلك
تكونُ أدلّةُ حجيّة خبر الثقة حاكمةً وناظرةً إلى قيامها مقام اليقين ، سواءً
اليقين الوارد في الإستصحاب أو في غير الإستصحاب ـ كما في دليل قاعدتَي الطهارة
والحِلّ ـ فتُوسِّعه شرعاً وتعبّداً ، لاحِظْ قولَه تعالى [يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَـيَّنُوا ، أَن تُصِيـبوا
قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ][762]فهي تعتبر خبرَ
العادلِ بـَياناً وعِلْماً ، لأنه لا يحتاج إلى تبَـيُّنٍ وتأكّد ، بخلاف خبر
الفاسق الذي يحتاج إلى التبَـيُّن والتأكّد والإحتياط ، ولذلك فإذا اعتمدت على خبر
العادل فإنّ اللوازم الأخرى تـترتّب لأنك تعتمد على العلم الشرعي . فمثلاً : لك أن تـتهم
قوماً بناءً على قول العادل ، وهذا لازم خطير ، وهذا ما يعبَّرُ عنه في علم الأصول
بتـنزيل الأمارة منزلةَ القطع الوجداني أي الصفتي[763] .
[760]
كفاية الاُصول ج 2 ص 309 ـ 310 من طبعة تعليقة المشكيني .
[761]
إستدلّ السيد الشهيدعلى ذلك بصحيحة عبد
الله بن سنان ، راجع بحوث في علم الأصول للسيد محمود الهاشمي/ مباحث الحجج والأصول
العملية ج 3 ص 111 ، ومباحث الأصول للسيد كاظم الحائري ج 5 من القسم الثاني ص
300 ، ودروس في علم الأصول
ح 3 ص 160 .
[763]
طبعاً ، كلامُنا إنما هو في
الفرعيّات ، أي في الأمور التعبّديّة ـ لا في العقائديّات والتاريخيّات ونحوها ممّا تحتاج إلى علم
قطعي ، لأنّ الاُمور العقليّة البحتة لا تعبّد فيها ـ .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 760