اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 735
ولكن رغم أنها قاعدة فقهيّة هي مسألة
اُصوليّة أيضاً مِن حيثُ مكانِ بحثها ، بمعنى أنها يجب بَحْثُها في علم
الاُصول ، وذلك لاحتمال أن يرى بعضُ العلماء ـ أثـناء البحث ـ بأنها تجري في
الشبهات الحكميّة أيضاً ، كما وَقَعَ ذلك بالفعل مِن بعضهم ، فح يُستـنبَطُ منها
أحكامٌ فرعيّة كليّة ، وتختص ح بالفقيه في مجال الشبهات الحكميّة . المهم هو أنّ
مسألةَ تحليل الإستصحاب وفَهْم حقيقته هي مسألة اُصوليّة ، محلُّ بحثِها هو علم
الاُصول . فلا تـتوهّمِ التـناقضَ في هذين القولين ، القولَ بأنّه قاعدةٌ فقهية
وكونَه مسألةً أصولية ، وذلك لأنك يجب عليك أوّلاً أن تبحث في حقيقة الإستصحاب في
علم الاُصول ، فإنْ رأيتَ أنه يجري في الشبهات الحكميّة أيضاً كان مسألة أصوليةً
وأصلاً عملياً ، وفي موارد الشبهات الحكميّة لا يحق للعامّي أن يجريَها هو ، ولا
تكونُ ح في موارد الشبهات الحكميّة قاعدةً فقهيّة ، وأمّا في موارد الشبهات
الموضوعيّة ، فلأنّ الفقيهَ يقول للعامّي أجرِ الإستصحاب في الشبهات الموضوعيّة فيكون
بهذا اللحاظِ قاعدةً فقهيّةً .
وذلك مثلُ أصالة الطهارة وقاعدتِها
تماماً ، فقد قلنا سابقاً بأنّ قاعدة الطهارة الشرعيّة هي قاعدة فقهيّة ، ولكنْ مع
ذلك ، أصالةُ الطهارة العقليّة وقاعدتها الشرعية هي مسألة اُصوليّة إذا كان
استخدامُها في مجال استـنباط أحكامٍ شرعيّة كليّة ، ففي موارد الشبهات الحكمية
تكون مسألةً أصولية يَنظر فيها الفقيهُ فقط دون العامّيّ ، فتكون كأصالة البراءة
العقليّة وقاعدتها تماماً ، وأمّا إذا كنّا نحن والعوام على قدم وساقٍ في قاعدتَي
الإستصحاب والطهارة أي نستخدمُها في مجال التطبـيق ـ أعني في مجال الشبهات
الموضوعية الخارجية الجزئية ـ فهي قواعدُ فقهية . ولذلك يكون من الخطأ أن يقال (بأنّ
قاعدة الطهارة ـ على إطلاقها ـ مسألةٌ فقهيّة لأنّ موضوعها خاصّ ، وليست قاعدةً
مشتركة تصلح للجريان في كلّ أبواب الفقه) ، فكلّ مسألة اُصوليّةٍ موضوعُها خاصّ ،
قد يكون ضيّقاً ، وقد يكون واسعاً .
المهم هو أنّ قاعدةَ الطهارة التي
يُستـنبَطُ منها أحكامٌ كليّة ليست قاعدة فقهيّة أصلاً ولا خلاف في هذا ، ولا يحقّ
للعامّي أن يُجريها ، فهي بذلك مسألةٌ اُصوليّة بامتياز ، وأمّا قاعدةُ الطهارة التي
يطبّقها العامّيُّ في الموارد الخارجية الجزئية فهي قاعدة فقهيّة بوضوح ، ويَستـنبط
منها وظيفةً عمليّة . من هنا تعرف الفرقَ بين قاعدةِ الطهارة الواقعة على المستوى
العالي التي يُستـنبَطُ منها أحكامٌ كليّة ـ وهو نفس مستوى المسائل الأصولية ـ
وقاعدةِ الطهارة الواقعة على مستوى منخفض ـ وهو مستوى الأحكام الكليّة والقواعد
الفقهية ـ والتي يُستـنبَطُ منها وظيفةٌ عملية فقط .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 735