اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 73
(9) وكذلك
الصحّةُ والبطلان فإنهما ليسا حكمين شرعيين ، وإنما هُما حكمان عقليّان ، بمعنى
أنّ الإنسان إذا أتى بالفعل بشرطه وشروطه فقد وقع صحيحاً بحكم العقل ، وإن أتى
بالفعل بشكل غير مجزٍ فإنه لا محالة يقع باطلاً عقلاً ، مَثَلُهما كمَثَلِ الأحكام
الفعليّة والتـنجيزيّة ، فإذا زالت الشمس وكان الإنسان عاقلاً وبالغاً فقد صار
وجوبُ الصلاةِ عليه فعليّاً ، وإذا عَلِمَ بالحكم الشرعي
وبتحقّق شرائط وجوبه فقد صار الحكمُ عليه منجّزاً ، ولكنْ هذان الحكمان
ـ أي الفعلي والتـنجيزي ـ ليسا أحكاماً شرعيّة ، وإنما الحكم الشرعي هو فقط
(الصلاة بالشروط الفلانية واجبة) .
(10) الأحكام
التكليفيّة متضادّة فيما بـينها ، فالوجوب يضادّ الإستحباب وغيرَه ، والحرمةُ تضادّ الكراهةَ
وغيرَها ، ولذلك لا يمكن عقلاً أن يحكم الله بحكمين متضادّين في عالم الجعل . نعم ، لا مانع من جعْلِ أحكام
واقعيّة ومع ذلك يتعبّدُنا بأحكام ظاهريّة ـ وهي مؤدّياتُ الأمارات والوظائف
العمليّة ـ منافيةٍ لتلك الأحكام الواقعيّة في حال الجهل بها ، وذلك لمصالح عظيمة
يأتيك شرحها عند كلامنا عن إشكالات ابن قبة .
ونفسُ الكلام
يجري في الأحكام الموضوعية ، فإنه لا يمكن أن يشرّع المولى تعالى بطلان بـيع الكلاب
الثلاثة ويشرّع صحّة بـيعها ، لأنهما متعارضان . ومرجع استحالة التعارض بـينها
يكون على مستوى الملاك والمحبوبـية والإرادة والإعتبار والجعل والفعليّة والتـنجّز
، ويكفي أن نـنظر إلى مرحلتَي الملاك والتـنجّز فقط ، لتـتضح الإستحالةُ في كافّة
المراحل : فإنّ الفعل الفلاني إن كان ذا مصلحةٍ معيّنة أو مفسدة فإنّ الباري تعالى
إنما يَحكم فيه بناءً على حكمته البالغة ، فهو إذَنْ يَحكم بحكمٍ واحد مناسبٍ
للموضوع ، فلا يمكن إذن ـ بناءً على حكمة الله البالغة ـ أن يَحكم بحكم آخر له غيرِ
مناسب ، وأمّا على مستوى التـنجّز فلا يمكن أن ينجّز اللهُ تعالى الوجوب والحرمة
والإستحبابَ على فعل واحد ، كما أنّ المكلّف إمّا أن يرى الفعلَ واجباً عليه أو
غير واجب ... وهذه الأحكام المتضادّة في مرحلة الامتـثال لا تصدر من إنسان حكيم ،
فكيف تصدر من ربّ الحكمة البالغة ؟!
ومن هنا نشأت إشكالاتٌ عند
ابن قبة ونشأ البحثُ التالي :
إجتماع الحكم الواقعي والحكم الظاهري
لا شكّ في وضوح الجمع بين
الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، وهو أنهما في مرتبتين طوليّتين ، فالحكم الواقعي ـ
كحرمة التدخين بعنوانه الواقعي مثلاً ـ متعلَّقُهُ نفسُ التدخين ، والحكم الظاهري شرطه
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 73