responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 729

 

الجواب : لا شكّ أنك تعلم أنّ قول الباري تعالى [اَقيموا الصلاة] هو خطاب شرعي كاشفٌ عن الحكم الشرعي والذي هو (الصلاة واجبة) ، وهنا الأمر كذلك تماماً ، فإنّ القوانين الإلهيّة هي ـ حسب ما نرى ـ قوانينُ شرعيّةٌ تكون بنحو الجمل الخبريّة ، لا بنحو الجمل الإنشائيّة ، ذلك لأنّ الجمل الخبريّة إشارة إلى ثبوت المعاني في عالم الجعل الذي هو علم الباري تعالى ، على أنـنا لا نـتصوّر كونَها بنحو الجمل الإنشائيّة ، أي بنحو صلّوا أيها الناس واستصحبوا الحالةَ السابقة وأجروا البراءةَ والطهارةَ والحِلّ .. وعلى هذا الأساس نرى أنّ قول المعصوم (ع) لا تـنقضِ اليقينَ أبداً بالشك لا بدّ أن يكون بنحو الجملة الخبريّة ، والتي تـُفيد معنى الثبوت ، والذي هو المعنى الإرشادي للنهي عن النقض ، فكأنّ الإمام (ع) يقول : وظيفتكم هو البناءُ على بقاء الحالة السابقة وعلى البراءة والطهارة والحِلّ ، ولذلك نقول بأنّ الأحسن تعريف الإستصحاب بأنه (الحكم الشرعي بـبقاء ما كان) بنحو الجملة الخبريّة ، وليس هو (الحكم الشرعي بإبقاء ما كان) ، وكذلك الأحسن أن نقول تَجري البراءةُ والطهارةُ والحِلّ ، أي أنّ حكم الله تعالى الظاهري هو البراءة والطهارة والحِلّ ، يعني ليس لك أن تبني على اللزوم ولا على النجاسة ولا على الحرمة . نعم ، إن أحبـبتَ أن تحتاط فلا مانع ولا بأس .

ثم إنّ المستصحَب هو الوجود المحصَّص بماهية معيّنة ، وليس الوجودَ لوحده ولا الماهيّةَ لوحدها ، فلو استصحبنا النجاسةَ لكان المستصحَبُ هو وجود النجاسة ، ولو استصحبنا الحدثَ فالمستصحَبُ هو وجود الحدث ، وهكذا . وأمّا الماهيّة فهي حدود الوجود لا غير ، فلولا الماهيّةُ لما تعيّن الوجودُ ولما تحصّص بحصّةٍ معيّنة ولما تخصّص بخصوصيات معيّنة ، ولا وجود واضحَ بلا ماهيّة[737] إلاّ وجودَ


[737] ما ذكرناه هنا من أصالة الوجود والماهية هو الصحيح ، بخلاف ما ادّعاه المشّاؤون وملاّ صدرا والعلاّمة الطباطبائيمن أصالة الوجود واعتبارية الماهية قائلين بأنّ آثار الأعمال صادرةٌ من وجود الشيء لا من ماهيته ، ويستحيل عندهم أن تـنشأ الآثارُ منهما معاً ، لاستلزام ذلك ـ بادّعائهم ـ كونَ كل شيء شيئين اثـنين ، وهو خلاف الضرورة !!!

ولعلّ مِن أحسن مَن كتب عن هذه النظرية باختصار هو الملاّ هادي السبزواري في هامش الحكمة المتعالية ج 1 ص 46 قال : "إنْ قلتَ : كيف يكون امتيازُ الوجوداتِ بالماهيات ولا تَقَرُّرَ للماهيات قبل الوجودات حتى يكون امتيازُها منشأً لامتياز الوجودات ، بل الوجودات أيضاً لا تَقَرُّرَ لها على ما هو مذهبكم من أصالة الوجود ؟ قلنا : أوّلاً : لا يُشترَطُ في كون الإمتياز بالماهيات سبْقُ الماهياتِ ولا أصالتُها ، بل يكفي حصولُ الماهيات المتكثِّرَة مقارناً لحصول الوجود ، وهذا متحقِّقٌ لكون الماهيةِ متحقِّقةً بالعرَض بتحقُّق الوجود ومجعولةً بالعرَض بجعل الوجود كما هو مذهبنا ، واعتبِرْ بحصول الأضواء المتلوِّنة بألوانِ الزجاجات القابلة لضوء النيِّر إذا حدثت الزجاجاتُ مقارنةً لحصول الأضواء . وثانياً نقول : للماهيات سبْقٌ بالتجوهر . وثالثاً نقول : للماهيات أكوانٌ سابقةٌ ، فيجوزُ أن يكون امتيازُها في نشأة سابقةٍ منشأً لامتياز الوجودات في نشأة لاحقة ، وبالأخير ينـتهي إلى الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات في المرتبة الواحدية اللامجعولة تلك الماهيات وامتيازها بلا مجعولية الملزوم فينقطع السؤال عن سبب الإمتياز" (إنـتهى) .

ونحن نعتقد ببطلان نظريّة أصالة الوجود وبـبطلان نظرية أصالة الماهية أيضاً المنسوبة للإشراقيين كالشيخ السهروردي وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى حينما خَلَق الممكناتِ فإنما خلقها من وجوده ـ لا مِنَ العدمِ فإنه لا يمكن عقلاً الخلقُ من العدم ـ وحينما أراد أن يخلقها من وجوده خصّصها بماهية ، فتخصيصُ الوجودِ بماهيةٍ معيّنةٍ هو المراد من الإيجاد ، وهو معنى الخلق ، فوجودُ الممكنات ووجودُ الله تعالى هو وجود واحد لا وجودين ، والممكنات تختلف عن الباري بوجود ماهية لها فقط ، ولذلك لو فرضنا أنّ الباري تعالى فنى فإنّ الممكنات تفنى كلّها ، فهو القيّوم أي الذي غيرُه قائمٌ به ، ولذلك تكون آثار الممكناتِ ناشئةً من (الماهية الموجودة) ، لا من حيثية الوجود لوحدها ولا من حيثية الماهية لوحدها ، وذلك لأنّ الماهية إن كانت اعتباريةً محضةً ـ بمعنى أنّ الإنسان مثلاً ليس بأسد وليس بفرس وليس بكذا وكذا ... حتى تُحصَر أخيراً بالإنسان فقط ـ أي غيرَ موجودة في الخارج ـ لأنها سلبـية ـ لم تـتمايزِ الموجوداتُ أصلاً ، أي لما لاحظنا الفرقَ بين زيد وعَمْرو والأسد والفرس لا بذواتهم ولا بآثارهم ... وبتعبـيرٍ آخر : هم يدّعون بأنّ الماهية هي الحدود الخارجية للشيء ، لا الحدود الداخلية ، فماهيَّتُك ليست هي (حيوان ناطق) وإنما هي (لستَ بأسدٍ ولستَ بحجرٍ ولست بفرس ولست بكذا وكذا) حتى تصل إلى الحيوان الناطق ، وهذا كلام غيرُ صحيح ، وإنما الماهية هي ذاتياتك التي هي قوامك ...

ولو كانت جهةُ الوجود ـ من دون الماهية ـ منشأَ الآثار لاتّحدت آثارُ كلّ الموجودات حتى آثارُ الله تعالى ، لذلك نقول بأنّ الآثارَ ناشئةٌ من (زيد الموجود) ، ولذلك كان من التفاهة أن يقال بأنه "لو كان الوجود والماهية أصيلتين لاستلزام ذلك كونَ كلِّ شيءٍ شيئين اثنين ، وهو خلاف الضرورة ! " ولذلك نقول بأنّ المراد من الماهية هو حدود الوجود الداخلة في الوجود ، وهي موجودة بوجود الشيء .

على أنّالماهيات هي مثارُ الكَثرة والإختلاف ، طولاً ـ أي عِلَلُنا متغايرةٌ في الشرافة وكثرة القيود وقلّتها ـ وعرْضاً ـ وهو الفرق بين زيد وعمرو والفرس والأسد ـ ، فلو لم تكنِ الآثارُ ناشئةً من (الماهية الموجودة) وكانت الماهية معدومةً لما تكاثرت الممكناتُ بسبب تكاثر الماهيات ، ولذلك كان زيدٌ حصّةً مغايرة تماماً لعَمْرو بـ (ماهيّته ووجوده) بخلاف المغايَرة الطولية ، فإنّ المعلول هو وجود ضعيف ناشئٌ من وجود العِلّة ، ولا يغايره بتمام المغايرة ، وإنما هو ظِلٌّ لِعِلّتِه وقائمٌ به ، أي لا استقلال له دون عِلّته .

المهم ، ما نريد أن نقوله هو أنّ ماهية زيد الخارجي ليست اعتبارية ، كما أنّ أفعاله أيضاً ليست نـِتاجَ حيثيةِ وجوده لوحدها وليست نـِتاجَ حيثيةِ ماهيته لوحدها ، ولذلك كانت (حركةُ يَدِ زيد) علّةً لـ (حركة المفتاح الموجود في يد زيد) .

ثم إنه كما أنّ الوجود الممكنَ لا يمكن أن يوجَد بلا ماهية كذلك لا يمكن أن توجَد الماهيةُ بلا وجود ، فَهُما واحدٌ حقيقةً وخارجاً ، ولا يمكن انفصالُهما عقلاً لأنّ ماهية الممكنِ ليست إلاّ حدودَ وجودِه ، وحدود الوجود هو بعضه ـ بمعنى أنه تابعٌ له ـ لا أنه خارجٌ منه كما ادُّعيَ .

نعم ، لا يوجَدُ وجودٌ مطلَقٌ ـ أي غير مقيّد بقيود وغيرَ محدودٍ بماهية ـ إلاّ وجودَ الله سبحانه وتعالى ، وذلك لأنّ الله تعالى هو الوجود كلّه ولا يحدّه ماهيةٌ .

ثم إنه كلَّما تـنزّلتِ الممكناتُ الموجودةُ من مرحلة الصادر الأوّل صارت أكثرَ ضيقاً وحدوداً وقيوداً وضَعفاً لذلك كان عالمُ المادّةِ أضعفَ الموجودات في عالم الوجود ، فإذا مُتَّ قَوِيَ وُجودُك واتّسعت معارفك ، وهنا يأتي قول الله تعالى [لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)] سورة ق ، لأنك ستصير عقلاً محضاً كالملائكة ، وبالتالي ستصير سعادتُك أكبرَ من سعادتك في هذه الدنيا وأشرفَ وسيصير عذابُ الكافرِ والفاسقِ أعظمَ وأكبر من عذابه في هذه الدنيا ، وسيصير تحمّلُه للعذاب أكبرَ مِن تحمُّلِه له وهو مادّة ... أعاذنا اللهُ من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .

اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب    الجزء : 1  صفحة : 729
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست