اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 678
المرحلة الأولى ونقول إنـنا نشكّ
في حليّته وحرمته بعد وضوح الموضوع تعبّداً ؟! ولذلك نقول بأنّ استصحاب عدم التذكية
وارد على أصالة الحليّة .
ومثلُها أيضاً ما لو شككنا في قُرَشية
امرأة تجاوزت الخمسين سنة قمرية وقد جاءها الدم بشروط العادة فنقول إنـنا نستصحب
عدمَ قُرَشيّتها ، فالدمُ إذن هو استحاضة ولو تعبّداً ، وبالتالي وجبت عليها
الصلاة ، ولا تجري البراءة من وجوب الصلاة ، وإنما يجري الإستصحاب العقلائي
الممضَى من الشرع الحكيم ، وهذا يعني أنه استصحاب شرعي ، المهم هو أنه بسبب أنّ
هذا الإستصحاب ألغَى عنها موضوعَ القرشية ، وبالتالي تعبّدنا بكونها عاميّة ،
فصارت متعبَّدةً بلزوم اعتبار ما جاءها من دم هو استحاضة ، فهي إذن طاهرة ، فإذن
تجب عليها الصلاة . مع أنّ البراءة تبرِّؤها من وجوب الصلاة ، فهما ـ أي الإستصحاب
والبراءة ـ إذن متخالفان هنا في النـتيجة ، ولكنك لاحظتَ أننا قدّمنا الإستصحابَ[702] لأنه واردٌ على أصالة
البراءة لأنه يُلغي موضوعَ أصالة البراءة .
ومثال الثاني ـ وهو ما لو كان الأصل
الموضوعي موافـِقاً في النـتيجة للبراءة ـ ما لو شككنا في طروء الجَلَل على
الحيوان ، فإنـنا نستصحب عدمَ الجلل ، فيصير ـ بالإستصحاب الذي هو هنا أصلٌ موضوعي
ـ قابلاً للتذكية تعبّداً ، وح يحلّ أكله ، وهو موافق لأصالة الحِلّيّة .
وقد تقول بأنه يصحّ التمثيل
أيضاً بما لو علمنا بطروء الجلل على الحيوان وشُكَّ في أنّ الجَلَلَ في الحيوان هل
يوجب ارتـفاعَ قابليته للتذكية أم لا ؟ فهذه شبهة حكمية ، فهل نستصحب قبوله
للتذكية أم لا يمكن ؟
وقد تقول في الجواب : إنه يمكن
لنا استصحابُ بقاء الموضوع لإثبات بقاء قابلية التذكية ، فنحن كنّا نعلم بقبوله
للتذكية قبل الجلل ، ثم صار جلاّلاً فشككنا هل أنّ الجلل يمنع من التذكية شرعاً أم
لا ، فنستصحب بقاءَ الموضوع من هذه الناحية على ما كان ، والنـتيجة هي حِلّيّة
الحيوان[703]، وهي نـتيجة
[702]
إستصحاب عدم القرشية هو استصحاب اجتماعي أمضاه الشرع لذلك صار شرعياً أيضاً ، لأنّ
المرأة لم تكن سابقاً ـ قبل انعقاد النطفة ـ عاميّةً ، ولذلك نقول هو استصحاب عقلائي اجتماعي
أمضاه الشرع الحنيف ، أي هو بمعنى أصالة عدم كونها هاشمية حتى تَـثْبُتَ الهاشميةُ
بدليل شرعي كالبـيّنة وكالتواتر المفيد للعلم أو الإطمئـنان ، وهو استصحاب في
الشبهات الموضوعية ، لا في الشبهات الحكمية ، فهو كاستصحاب طهارة الشيء ، وقد
شرحنا هذا المطلب سابقاً .
[703] إعلم أنـنا نـتكلّم
اُصوليّاً فقط ومِن دون نظرٍ إلى الأدلّة الفقهية الخاصّة ، وإلاّ فإنـنا نحرّم
أكْلَ لحومِ الجلاّلة ونعتبرها نجسةً أيضاً وذلك لما رواه هشام بن سالم ـ في صحيحته ـ عن أبي عبد الله (ع) قال : لا تأكلوا لحوم الجلاّلة ، فإن أصابك من
عرقها فاغسله
وهو أمرٌ يجب أن يكون
واضحاً عِلْمياً أيضاً ، بل
حتى الفلاّحون يعرفون أنّ شجرة التين ـ مثلاً ـ لو نمت على بئر النجاسات لجاءت ثمرتُها سيّئةً فاسدة ، فلا يأكلوها .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 678