اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 598
التراب" فعلينا أن نـتبعه ،
ولا نجوّز التيمّمَ على الرمل والحجر ، وكذا لو قال "المراد من الغناء هو
الصوت المشتمل على المدّ والترجيع" لحَرُمَ ح تجويدُ القرآن بهذه الكيفية ،
ولَحَرُمَ تجويدُ الأذان ، وترتيلُ الأناشيدِ الإسلامية المعروفة ، ولو قال
"هو خصوص الصوت المطرب" لجاز استماع الغناء الغير مطرب ، ولو لكون
المغنّي مبحوحَ الصوت مثلاً أو كان غير جيد في الغناء .
وهي ظنونات لم تـثبت شرعاً ولا
عقلائياً ، وذلك لعدم وضوح معرفته بأكثر من الإستعمالات ، ولم يُعلم أنه من أهل
الخبرة في الأوضاع كالطبـيب والمهندس والفقيه ، فإنّ هؤلاء خبراءٌ في علومهم ،
بخلاف اللغوي الذي لا يملك أكثرَ من موارد الإستعمالات ، والإستعمالُ أعمّ من
الحقيقة .. نعم ، القدر المـتيقّن من السيرة هو ما أفاد الإطمئـنانَ بالوضع ، لكنْ
هذا من باب حجيّة الإطمئـنان ، لا من باب حجيّة قول اللغوي ، مع أنّ من المعلوم
أنّ أهل اللغة إنما يعرفون المعاني من خلال كثرة الإستعمال ، وهم يفيدون ذلك في
كتبهم ، فإن أفادتـنا كثرةُ الإستعمالات في شتّى الموارد الوضعَ فبها ، وإلاّ فقد
يكون الإستعمالُ مجازيّاً . يقول السيد الشهيد الصدر إنّ القول عند المتأخّرين
انقلب إلى عدم حجيّة قول اللغوي[607] .
فإن قلتَ: يمكن الإستدلالُ على
حجيّة قول اللغوي بما دلّ على حجيّة خبر الثقة في الأحكام ، وذلك لأنه يخبر عن
الحكم ، أو قُلْ : هو يخبر عن المدلول التصوّري للحكم .
قلتُ : هو نفس اللغوي لا
يدّعي أكثرَ من معرفته بموارد الإستعمالات ، فهو غير خبـير من غير موارد
الإستعمالات ـ كما نـقول في الإجماع المَدْرَكي ـ فإنْ كان دليله مذكوراً ـ كما هي
عادتهم ـ فعلينا أن نرجع إلى أدلّتهم ، وهي استعمال اللفظ في شتّى الحالات كي نعرف
أنّه هو المعنى الحقيقي ، وإلاّ فمجرّدُ استعمالِهم كلمة (أسد) في معنى (شجاع) في
جملةَ "زَيدٌ أسَدٌ" ـ مثلاً ـ لا يدلّ على وضع كلمة (أسد) في معنى
(شجاع) ، وذلك لأنـنا نلاحظ أنـنا نستعمل لفظة (أسد) في الحيوان المفترس المعروف من
دون قرينة ، أمّا استعمالُهم كلمةَ (أسد) ـ في قولهم "زيد أسد" ـ
فقد كانت مع ذِكْرِ كلمة (زيد) ومع قرينة المديح والتشبـيه المليح ، وهاتان قرينـتان
واضحتان في كون استعمالِ كلمةِ (أسد) ـ في قولهم "زيد أسد" ـ استعمالاً
مجازيّاً ، وليس حقيقياً ، كما هو واضح ، وأمّا إذا قيل لك ـ وأنت في غابة حيوانات
مثلاً أو في حديقة حيوانات ـ "هذا أسد" من دون قرينة ، وكان يوجد هناك
رجل شجاع أيضاً ، فإنّ ذهنك سيتبادر
[607] راجع مباحث الأصول لاُستاذنا
السيد كاظم الحائري حفظه الله/ الجزء الثاني من القسم الثاني/ بحث قول اللغوي ص
257 .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 598