اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 596
، وهذا معنى قد يثبت في السيرة
العقلائية على العمل بالأمارات الظنية في المقام الأول أيضاً ـ أي في مجال الأغراض
الشخصية التكوينية ـ فإنها كثيراً ما تولِّدُ عادةً وذوقاً في السلوك يعرِّض
المتشرعةَ ـ بعقلائيّتهم ـ إلى الجري على طبق ذلك في الشرعيات أيضاً ، فلا يتوقف
إثباتُ الحجية بالسيرة على أن تكون السيرة جارية في المقام الثاني ، ومنعقدة على
الحجية بالمعنى الأصولي .
ومهما يكن الحال ، فلا شك في أن
معاصرة السيرة العقلائية لعصر المعصومين (ع) شرطٌ في إمكان
الإستدلال بها على الحكم الشرعي ، لأنّ حجيتها ليست بلحاظ ذاتها ، بل بلحاظ
استكشاف الإمضاء الشرعي من التقرير وعدم الردع ، فلكي يَتِمَّ هذا الإستكشافُ يجب أن
تكون السيرة معاصرة لظهور المعصومين (ع) لكي يدل سكوتهم على الإمضاء ، وأمّا
السيرة المتأخرة فلا يدل عدم الردع عنها على الإمضاء كما تقدم في الحلقة السابقة ،
واَمّا كيف يمكن إثبات أنّ السيرة كانت قائمة فعلاً في عصر المعصومين (علیهم السلام) فقد مر بنا البحث عن
ذلك في الحلقة السابقة .
اِلاّ اَنّ اشتراط المعاصرة إنما
هو في السيرة التي يراد بها اثباتُ حكم شرعي كُلّي ، والكشف بها عن دليل شرعي على
ذلك الحكم ، وهي التي كنا نقصدها بهذا البحث بوصفها من وسائل إثبات الدليل الشرعي
، ولكنْ هناك نحو آخر من السيرة لا يكشف عن الدليل الشرعي على حكم كُلّي ، واِنما
يحقق صغرى لحكم شرعي كُلّي قد قام عليه الدليل في المرتبة السابقة ، والى هذا
النحو من السيرة ترجع على الأغلب البناءاتُ العقلائية التي يراد بها تحليلُ
مرتكزات المتعاملَين ومقاصدهما النوعية في مقام التعامل بنحوٍ يحقِّق صغرى لأدلة
الصحة والنفوذ في باب المعاملات ، ومثال ذلك ما يقال من انعقاد السيرة العقلائية
على اشتراط عدم الغَبن في المعاملة ، بنحوٍ يكون هذا الإشتراط مفهوماً ضِمْناً ،
وإن لم يصرَّح به ، وعلى هذا الأساس يَثبت خِيار الغَبن بالشرط الضمني في العقد ،
فإنّ السيرة العقلائية المذكورة لم تكشف عن دليل شرعي على حكم كلي ، واِنما حققت
صغرى دليل (المؤمنون عند شروطهم) وكلُّ سيرة من هذا القبـيل لا يشترط في تأثيرها على
هذا النحو اَنْ تكون معاصرة للمعصومين (ع) ، لأنها متى ما وُجِدت أوجَدَتْ
صغرى لدليل شرعي ثابتٍ فيُتمسك بإطلاق ذلك الدليل لتطبـيق الحكم على صغراه .
وهناك فوارقُ اُخرى بين السيرتين
، فإنّ السيرة التي يُستكشف بها دليل شرعي على حكم كلي تكون نـتيجتُها ملزِمَةً
حتى لمَن شَذَّ عن السيرة ، فلو فُرِضَ أنّ شخصاً لم يكن يرى ـ بما هو عاقل ـ اَنّ
طِيـب نفس المالك كاف في جواز التصرف في ماله ، وشذ في ذلك عن عموم الناس ، كانت النـتيجة
الشرعية المستكشفة بسيرة عموم الناس ملزِمَةً له ، لأنها حكم شرعي كُلّي . واَمّا
السيرة التي تحقق
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 596