اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 594
والنوع الآخر: السيرة بلحاظ مرحلة
الظاهر والإكتـفاء بالظنّ ، ونقصد بذلك السيرة على تصرفٍ معيَّن في حالة الشك في
أمر واقعي اكتـفاءً بالظن مثلاً ، من قبـيل السيرة على الرجوع إلى اللغوي عند الشك
في معنى الكلمة واعتمادِ قوله وإن لم يُفِدْ سوى الظنّ ، أو السيرةِ على رجوع كل مأمور
في التعرُّف على أمر مولاه إلى خبر الثقة ، وغيرِ ذلك من البناءات العقلائية على
الإكتـفاء بالظنّ أو الإحتمال في مورد الشك في الواقع .
اَمّا النوع الأول فيُستدَلّ
به على اَحكام شرعية واقعية ، كحكم الشارع بإباحة التصرف في مال الغير بمجرد طيب
نفسه ، وبِاَنّ مَن حاز مَلَكَ ، وهكذا ، ولا ريب في انطباق ما ذكرناه عليه ، حيث
إن الشارع المقدّس لا بد أن يكون له حكمٌ تكليفي أو موضوعي فيما يتعلق بذلك التصرف
، فإن لم يكن مطابقاً لما يفترضه العقلاء ويَجرون عليه من حكم ، كان على المعصوم أن
يردعهم عن ذلك ، فسكوتُه يدل على الإمضاء .
واَمّا النوع الثاني فيُستدَلّ
به عادة على أحكام شرعية ظاهرية ، كحُكْمِ الشارع المقدّس بحجية قول اللغوي وحجية
خبر الثقة ، وهكذا . وفي هذاالنوع قد يُستشكَلُ في تطبـيق ما ذكرناه عليه ، وتوضيح
الإستشكال اَنّ التعويل على الأمارات الظنية ـ كقول اللغوي وخبر الثقة ـ له مقامان
:
المقام الأول : التعويل عليها بصدد
تحصيل الشخص لأغراضه الشخصية التكوينية من قَبـيل أن يكون لشخصٍ غرضٌ في أن يَستعمل
كلمة معينة في كتابه ، فيَرجع إلى اللغوي في فهم معناها ليستعملها في الموضع المناسب
، ويَكتـفي في هذا المجال بالظنّ الحاصل من قول اللغوي .
المقام الثاني : التعويل عليها بصدد
تحصيل الشخص المأمور لمؤمِّنٍ أمام الآمر ، أو تحصيل الشخص الآمِر لمنجِّز للتكليف
على مأموره ، من قبـيل أن يقول الآمر : "أكرِمِ العالِمَ" ولا يدري
المأمورُ اَنّ كلمة (العالِم) هل تشمل مَن كان لديه عِلْمٌ وزال عِلْمُهُ أو لا ؟
فيرجعُ إلى قول
اللغوي
لتكون شهادته بالشمول منجِّزةً وحجةً للمولى على المكلف ، وشهادتُه بعدم الشمول
معذِّرة وحجةً للمأمور على المولى .
وعلى هذا فبناء العقلاء على
الرجوع إلى اللغوي والتعويلُ على الظن الناشئ من قوله إن كان المقصود منه بناءَ
العقلاء في المقام الأول ، فهذا لا يعني حجية قول اللغوي بالمعنى الأصولي ـ أي
المنجزية والمعذرية ـ لأن التـنجيز والتعذير اِنما يكون بالنسبة إلى الأغراض
التشريعية التي فيها آمر ومأمور ، لا بالنسبة إلى الأغراض التكوينية ، فلا يمكن أن
يُستدل بالسيرة المذكورة على الحجية شرعاً .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 594