اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 463
لغةً أنه ندم . توضيحُ ذلك : قد يشتري التاجرُ
بضاعةً بأثمان باهظة ، وكلّ المؤشّرات تـفيده أن سيربح ربحاً عظيماً ، لكن صادف أن
جاءت زلزلةٌ مثلاً فهَدَمت دكّانَه الكبـير وخَرَّبت كلّ البضاعة وخسر خسراناً
عظيماً ، فهذا الشخص لا يقال عنه بأنه ندم على الشراء ، وإنما يقال له بأنه تضرّر
من الزلزلة .
* التقريب الخامس أن يُنظَرَ
إلى السبب العقلي لوجوب التبين والإستعلام ـ لأنّ معنى البـيان هو العِلم ـ فنقول : إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبـينوا
احتياطاً لتعرفوا
الحقيقة ..
وذلك لمعلومية أنّ وجوب التبين طريقيّ للتحفّظ على الواقع ، وليس نفسياً ، وهذا
أمْرٌ عقلي مضافٌ إلى التصريح به قرآنياً في التقريـبين الثالث والرابع . إذَنْ
إنْ جاءكم عادِلٌ بنبأ فلا يجب عليكم التبين ولا الإحتياط ، لأنه بـيانٌ
شرعاً وعِلْمٍ شرعي. وهذا البـيان ـ كما قلنا قبل قليل ـ يؤكّد مسلكَ الطريقية
.
وبطريق اَولى إن
شككتم في حكم شرعي ولم يأتكم خبر فاسق أصلاً فتبـينوا ، إذَنْ الأمْرُ بالتبين في
كلتا الحالتين هو إرشاد إلى لزوم الإستعلام لمعرفة الحقيقة كي لا يقع المكلّف في
مخالفة التكليف الشرعي.
* وربما اُشكِلَ على شمول
هذه الآية ومثلِها للروايات الحاكية لقول الإمام (ع) بواسطة أو وسائط ، فإنه كيف يمكن
الحكمُ بحجيّة خبر العادل بل بعِلْمِيَّتِه شرعاً مع عدم وجود أثر شرعي للتعبّد بحجيّة
رواية الراوي لنا ، فإنّ أثَر هذا التعبّدِ ليس إلاّ لزومَ تصديق خبر الشخص
المنقول عنه الواسطةُ بين الراوي لنا مباشرةً والراوي عن الإمام ، وليس إلاّ نقلَ
حدثٍ تاريخي وهو أنّ فلاناً قد تكلّم وقال المسألة الفلانية ، وهذا ليس أثراً شرعياً
أي يُلزِم بالفعل أو بالترك ، وإنما هذا أشبهُ شيءٍ بإعطاء الحجيّة للأصل المثْبِت
الذي يُثْبِتُ لوازمَه الشرعية بواسطة عقلية أو تكوينية .
ويجاب على هذا
الإشكال بأنّ الراوي لنا خبرُه حجّةٌ بلحاظ نقْلِ روايةٍ تـنـتِج بالنهاية أثراً
شرعياً ، وهذا هو موضوع الحجيّة في زمن الرسول وفي زمن الأئمّة (ع) ، فقد كان
الأعمّ الأغلب من الأخبار في عصور المعصومين (ع) بوسائط ،
لأنّ ناقل الرواية كان يسافر إلى الإمام ثم ينقل الروايةَ إلى قومه ، ثم يتـناقلونها
عبر الكتب من مصرٍ إلى مصر .. وهكذا ، وكان الأئمّة (ع) ساكتين عن
مثل هذه النقولات بوسائط ، إذن يتعيّنُ علينا أن نقول بأنه يكفي أن يكون الأثر
الشرعي هو نـتيجة الرواية وآخرها ، على أساس أنه يمكن ـ ثبوتاً ـ التعبّدُ شرعاً
بما كان في آخر السلسلة ما له أثر شرعي ، خاصةً على مسلك الطريقية الذي يَعتبِر
خبرَ الثقة عِلماً تعبّداً ، فإنّ العلمَ تَـثبُتُ لوازمُه العقلية والتكوينية .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 463